أي يوم عالمي لمدرس مغبون؟ !
تحل هذه السنة ذكرى اليوم العالمي للمدرس، التي اختير لإحيائها الخامس أكتوبر من كل سنة، احتفاء بنساء ورجال التربية والتعليم في كافة أرجاء المعمور، لتصادف ببلادنا حدثا دينيا بارزا في حياة الشعوب العربية والإسلامية، ألا وهو عيد الأضحى المبارك، الذي يؤرخ لذكرى أعظم قصة تحكي عن المعنى العميق للتضحية، حين لم يتردد سيدنا إبراهيم عليه السلام في الاستجابة لنداء ربه، وهم بذبح ابنه اسماعيل لولا أن فداه المولى عز وجل بذبح عظيم...
وإذا كانت البلدان المتقدمة تقدر قيمة الإنسان باحترام شعوبها، وتقيم وزنا خاصا لهذا اليوم العالمي، باعتباره مناسبة غالية لتكريم المدرس، اعترافا منها بما له من دور مركزي هام في تربية الأجيال وتعليمهم، وتقديرا منها لما يبذله من جهود جبارة، مكرسا حياته لأداء رسالته النبيلة من أجل إنتاج المعرفة وإحقاق التنمية المرجوة، فإن الأمر يختلف كليا ببلادنا الغارقة في مستنقع الأمية والتخلف...
فلا أحد منا ينكر أن المدرسة في عالمنا المعاصر، وفي ظل التطورات المتسارعة والتحولات العميقة، صارت من بين أهم الرافعات الإستراتيجية والأساسية المعول عليها، في إحداث الطفرة النوعية المرجوة وخلق نهضة مجتمعية رائدة، من خلال وظيفتها كمؤسسة سوسيو- ثقافية، في تنمية شخصية المتعلم وترسيخ انتمائه الوطني، ليكون مؤهلا بقوة وفاعلا اجتماعيا ناجحا في المشروع التنموي، إذا ما تم حسن تدبير مواردها المادية والبشرية واستثمارها الجيد. وبالنظر إلى ما يقدمه المدرس من تضحيات جسام، وما يتميز به من سخاء فكري ونكران الذات، فإنه يعتبر عنصرا مفصليا في العملية التعليمية- التعلمية، لما يبديه من حماس لافت في القيام بمهام تربوية دقيقة، ويضطلع به من أدوار عميقة في تجويد أدائه والرفع من مردودية تلامذته، سعيا إلى تحسين مستوياتهم وتعميق مكتسباتهم الفكرية والعلمية، وتفجير طاقاتهم الإبداعية، والكشف عن إمكاناتهم العقلية والمهارية... فهو مطالب دوما بأن يمثل القدوة الحسنة، سواء على مستوى السلوك والأخلاق وتقدير المسؤوليات أو على مستوى الاعتناء بمظهره الخارجي، فضلا عن ضرورة توفره على كفايات عدة ترتبط بمجال تخصصه، الإلمام بطبيعة مجتمعه وقيمه إلى جانب القيم الكونية والإنسانية الداعية إلى احترام حقوق الإنسان، نبذ العنف والكراهية، والإيمان الصادق بأسس الديمقراطية... انفتاحه على محيطه، انخراطه في مختلف الأنشطة، وحرصه الشديد والمتواصل على إثراء رصيده المعرفي بمختلف مصادر البحث والتكوين الذاتي... فما الذي أعدته له الحكومة للاحتفاء باليوم العالمي للمدرس؟
صحيح أن حكومة السيد بنكيران ليست وحدها المسؤولة، عما آلت إليه أوضاع المنظومة التربوية من ترد وتراجع، وما لحق أطرها من أضرار، لكن هذا لا يعفيها من ضلوعها في بعض الاختلالات والأعطاب المزعجة، ساهمت بقسط وافر في الرفع من معدل الاحتقان الاجتماعي وتعميق جراح المواطنين، جراء ما اتخذته من قرارات مجحفة اكتوى بلهيبها الجميع، وعلى رأسهم رجال التربية والتعليم. إذ كيف للمدرس المغربي الاحتفال باليوم العالمي، في ظل الإجهاز على كثير من مكتسباته ومصادرة حقوقه؟ فالتدهور المستمر لقطاع التعليم العمومي، أرخى بظلاله عليه وجعله يستحضر بمرارة كل ألوان البؤس والمعاناة، في المدن كما في الجبال والقرى النائية، تلاحقت خيبات أمله في تحسين أوضاعه المادية والمعنوية، ليستمر تائها بدون بوصلة يندب حظه الشقي.
تحل ذكرى اليوم العالمي للمدرس، التي دأب العالم المتقدم على تخليدها في أجواء من البهجة والسعادة، بينما المدرس المغربي يجر أذيال الخيبة حزينا لما يلاحقه من غبن، فمصداقية مدرستنا تآكلت واضمحلال بريقها متواصل، لما بات يميزها عن شقيقتها في التعليم الخاص بأنواعه المختلفة، من نقص حاد في الموارد البشرية، مناهج وبرامج متجاوزة، ضعف التجهيزات والبنيات التحتية، واكتظاظ في الأقسام... وبذلك فقد تعليمنا كل المواصفات المنصوص عليها في المواثيق الدولية، التي من شأنها النهوض بالعنصر البشري، والدفع به صوب بناء حضارة مجتمعه وتأمين رخائه...
وفي الوقت الذي كانت أعناق أطر التربية والتعليم مشرئبة إلى الوزارة الوصية، تتطلع بشوق واسع إلى ما قد تتمخض عنه تلك الحركة الدائبة في مصالحها، وإلى ما سيأتي به المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في حلته الجديدة، من اقتراحات تصب في مصلحتي التلميذ والمدرس، وتضع قاطرة إصلاح التعليم على سكتها الصحيحة، يباغتنا السيد رئيس الحكومة بقراره الانفرادي الجائر، والقاضي بإرغام الذين أدركهم التقاعد حد السن، على الاستمرار في العمل إلى نهاية الموسم الدراسي: 2014 /2015 دون موجب حق. ألم يكن كافيا ما قدمه هؤلاء الجنود من تضحيات، عبر تلك الساعات التضامنية التي دامت لأكثر من ثلاثين سنة، علاوة على تكبدهم عناء الاكتظاظ وكثرة الفصول الدراسية المسندة إليهم. وحتى قبل أن يجف مداد القرار المشؤوم للسيد بنكيران، طفا على السطح الحارق قرار لعين لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني السيد: رشيد بلمختار، يمنع بمقتضاه الترخيص باستكمال الدراسة الجامعية للراغبين في ذلك، تحت ذريعة حماية التلاميذ من تغيبات المعنيين، وكأننا نعيش بدون مراقبة ولا ضمائر مهنية. فبغياب التكوين والتكوين المستمر، لن يستقيم حال منظومتنا التعليمية، ولن يكون بمقدورنا إعداد مدرسين يملكون من الكفاءة ما يؤهلهم للارتقاء بجودة التعليم، وإشاعة روح الانضباط والمواظبة في صفوف المتعلمين وتطوير تحصيلهم الدراسي...
إن ما يتعرض له نساء ورجال التربية والتعليم من تضييق على الحريات، وإجهاز على المكتسبات، ليدعو بحق إلى القلق ويقتضي من ذوي الضمائر الحية الإسراع بالانخراط في معركة رد الاعتبار لهذه الفئة المستهدفة، الحاملة لمشعل تربية الناشئة وتنوير العقول، وأن تنصهر كل القوى الديمقراطية الوفية والفاعلين التربويين وجميع الشرفاء المعنيين بالشأن التعليمي، في بوتقة عمل جماعي مشترك، للمطالبة بسحب القرارات التعسفية والانتقامية، وحمل الحكومة على إيقاف مسلسل الاقتطاعات من أجور المضربين، وسائر المخططات التدميرية للمدرسة العمومية، وبلورة سياسة عمومية كفيلة بتحفيز المدرس، وحسن تكوينه، وتوفير المناخ التربوي الملائم لإنضاج شروط نمو المجتمع ورقيه... وإذ أحيي بهذه المناسبة كافة المخلصين من أطر التربية والتعليم، فإني أثمن عاليا ما يبذلونه من جهود وما يقدمونه من تضحيات في سبيل إعداد أبناء المغاربة لخدمة الوطن العزيز، وكل عيد أضحى وهم بألف خير...
اسماعيل الحلوتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق