ردفا على
سبعة ثقوب سوداء لإدغار موران في اللقاءات التشاورية حول المنظومة التربوية
والتكوينية[1]
"
امدح كثيرا، تنل كثيرا، وعلى الذين يحترمون أنفسهم أن يدفعوا الثمن "
د. عبد
الكريم بكار
إعداد: عبد
العزيز قريش - المفتش التربوي بنیابة تاونات
مكلف بتنسیق التفتیش الجھوي التخصصي
بأكادیمیة الحسیمة
عرقوبية مدخل
الإصلاح:
منذ
صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما قبله، ومنظومة التربية والتكوين تشهد
سلسلة من محاولات الإصلاح، تبدأ حيث يبدأ الوزير القائم على الوزارة، وتنتهي
بانتهاء توزيره عليها. ودواليك؛ نعيش نفس الأسطورة العرقوبية التي تأتي بالإصلاح
ولا تأتي به....
وبتنا ننام على الحلم ذاته ونصحو عليه، ونحن ننشد إصلاح منظومة معقدة
تعقد مداخل إصلاحها. ونتوق إلى تحقيق النتائج والأهداف المنشودة. لكن نحصد الفشل
تعرقبا، وتزداد الأزمة تأزما، والألم يعصر العروق دما على ضياع الأجيال والمجهودات
في دوامة لا ينتهي دوران دواليبها المسننة، وفي تيه لا ينقضي زمنه ولا مفعوله. يحفر
في الجسد التربوي الأخاديد سيولها تجرف حضارة المستقبل نحو اليتم الإنساني نتيجة
البدء والعود على البدء دون البدء بأدوات القراءة والتحليل والتفسير والبحث في
تشريح معطى المنظومة التربوية والتكوينية التنظيري والعملي والواقعي. وإنما البدء
من مقترحات وآراء لا تشكل في واقعها حقائق علمية عن معيش هذه المنظومة المسكينة،
التي أضحت الأسئلة الفلسفية تجاهها ترفا فكريا تموت بين شفاه فلاسفة التربية قبل
أن تفعل فعلها! وأصبح التفكير فيها عين الألم وجسد المسيح المصلوب وجرح محمد صلى الله عليه وسلم النازف في الطائف! كلما ازداد التفكير
في إشكالات ومشاكل المنظومة عمقا كلما ازداد أسا وأسفا على تراجيديا سيرورة
إصلاحها. فها هي اليوم تخرج المنظومة من منتديات الإصلاح عبر مرورها من تقرير
المجلس الأعلى للتعليم والبرنامج الاستعجالي إلى اللقاءات التشاورية لاستكشاف
عللها وأسقامها حتى تتوفر ( على تحليل موضوعي
للأسباب الكامنة وراء الإخفاقات التي عرفتها المنظومة التربوية خلال السنوات
الأخيرة )[2]
في سياق (ضرورة القيام بتقييم علمي يسمح بالوقوف على مدى جدوائية ونجاعة كل ما
أنجز واستشراف المستقبل )[3].
وكيف يكون التحليل موضوعيا داخل لقاءات تشاورية أو تقييم علمي ما لم يتخذ الأدوات
العلمية في التقييم؟ سؤال يطرحه التفكير الناقد على اللقاءات التشاورية من باب
تصحيح وتحسين وتطوير مقاربة الإصلاح. فتأتي الثقوب الرديفة في:
الثقب الأول: تقتضي مقاربة مدخل الإصلاح تكامل بعدي التفكير فيه؛ وهما التفكير السياسي
التربوي والتفكير التربوي، من منطلق اختلاف طبيعتهما أولا ثم من منطلق اختلاف
اشتغالهما على المنظومة التربوية والتكوينية ثانيا. فإذا كان التفكير السياسي
التربوي تفكيرا سياسيا بالدرجة الأولى يشتغل في إحدى وظائفه على المجال التربوي من
حيث أدلجة هذا المجال بما يخدم غايته السياسية،
ويحقق أوطار منظومته السياسية كانت حكومة أم حزبا، أو على الأقل تدبير الجو العام
السياسي والحركية الاجتماعية القائمة نحو قطاع التربية والتكوين التي تشكل ضغطا
عليه لتسكين الوضع بمسكنات الآلام الحادة؛ فإن التفكير التربوي هو تفكير تربوي
بطبيعته، يشتغل على قطاع التربية والتكوين مجالا حيويا له وبيئة طبيعية لاشتغاله.
من حيث تمكين المتعلم من الكفايات المشكلة لكينونته الشخصية الوجودية، التي تمنحه
بعده الإنساني والاجتماعي والثقافي والتواصلي والاقتصادي والفاعلي التفاعلي بما يحقق انخراطه الاجتماعي والمجتمعي ضمن النسيج
الاجتماعي الذي يعيش فيه؛ لما للمنظومة من دور فعال في التنمية البشرية ببناء
الإنسان الناجح والمجتمع القادر. لذا وجب على التفكير السياسي التربوي أن يستثمر
التفكير التربوي في إنجاح الإصلاح بعد ضبط مداخله علميا بالأدوات والمقاربات
العلمية. وأن لا يهمشه ويقصيه في خضم البحث عن حلول للقضايا والمشاكل التي تعيشها
المنظومة تخفيفا من الاحتقان الواقع على التفكير السياسي التربوي كما يقع اليوم
ضمن تعويم العلمية في المشهد الاحتفالي في غياب تفعيل الرؤية السترجية للإصلاح
والوعي بما هو الإصلاح ضمن الوعي المستمر بالذات الفاعلة والوعي بماضيها وحاضرها
واستشراف مستقبلها، وانكفاء القرار السياسي التربوي نحو منهجية عرقوبية في هذا
الإصلاح: بدء وعود على بدء. وهو ما انتقده الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد
السادس بقوله: " ذلك أنه من غير
المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج
السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها "[4]. وما يتطلب إبعاد التفكير السياسي التربوي
عن الممارسة السياسوية في التربية والتكوين التي تخرب على التفكير التربوي
اشتغاله؛ ومنه " فإنه لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي
المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية ".
الثقب الثاني: يقتضي التحليل
الموضوعي [ للأسباب الكامنة وراء الإخفاقات التي عرفتها المنظومة التربوية خلال
السنوات الأخيرة ] المنشود من الوزارة التمييز بين الحقائق العلمية وبين الآراء
ووجهات النظر. فالحقيقة العلمية هي نتيجة علمية يتأكد حضورها بالمنهج العلمي وتتكرر
بنفسها عند معاودة الاشتغال عليها بنفس المنهج المعتمد في تحصيلها، بمعنى تحمل
الواقعية والصدقية والقطعية والموضوعية. ولن نذهب إلى درس الحقيقة الفلسفي أو
المنطقي أو الرياضياتي، وإنما نذهب إلى أنها في اللغة الشيء الثابت وكنهه الواقع
فعلا، وهو ما عليه في ذاته؛ المنطبق عليه ما هو في الذهن عليه. فتكون بذلك الحقيقة
وجودا عينيا أو ذهنيا ما يساهم في ضبط مكامن الإخفاقات التي عرفتها المنظومة وتتيح
بذلك وضع مداخل للإصلاح منضبطة للواقع وللحقائق العلمية. لتكون بذلك مقدمات
الإصلاح صحيحة ودقيقة ولتنتج عنها معالجة صحيحة للإخفاقات. فليس من العلم أن نحصل
على حقائق علمية يقينية من مقدمات خاطئة أو ظنية. والموضوعية تستلزم ( إعطاء
الحقيقة ما يتناسب مع حجمها من الاهتمام والعناية ضرب من ضروب الموضوعية المعاشة
على الصعيد العملي )[5] ، حتى لا
نعطي آراء أو وجهات نظر أو تفسيرات خاطئة عن مداخل الإصلاح أو سيرورة الإصلاح
فنحصل على نتائج خاطئة بوقوعنا خارج الإصلاح لا داخله، لأن الآراء أو وجهات النظر
قد تنطبق مع الحقائق العلمية أو لا تنطبق، وتكون في حكم الانطباعات. وبذلك تقتضي
الموضوعية أن لا ( نسارع
إلى تحليل النصوص والأفكار قبل أن نتيقن أننا قبضنا على أدوات فهمناها على نحو كاف
)[6]. والموضوعية ( ليست درسا نحفظه، ولا هي شعارات نرددها، وإنما
هي إرادة وقدرة، وعلم وعمل )[7]. وبذلك كان على الوزارة أن
تقيم تقويما تشخيصيا واقعيا بأدوات علمية صارمة يفيد حقائق علمية عن مكامن
الإخفاقات لا إرهاصات وانطباعات وتخمينات، ثم تضع هندسة لمعالجتها وتجاوزها ضمن
أطر مرجعية توصيفية وغائية، بعدها تشرك الآخرين استشارة عن مداخل التنزيل والتفعيل.
فالحقيقة العلمية لا ينكرها إلا الجاهل وأما العالم فيقر بها ويطلبها من أنى جاءت.
فيكون للتشاور موقع في التنفيذ باقتناعه بالحقائق العلمية المقدمة إليه بمنهجية
علمية. ومنه؛ نجد طرح الوزارة لا يتماشى مع منطق الموضوعية لأنه يخالف منطلقاتها
ومطالبها، وبالتالي يستدعي النقد وفتح باب الحوار حوله قبل أن تجريه حتى ترى
الوزارة من الطرف الآخر المحاور ما لم تراه، ولكي تنضج طرحها ويأتي أهدافه
المنشودة. لكن مع الأسف الشديد؛ التفكير الإداري يعتبر ما تأتيه الوزارة له قدسية
التنزيل، ويبعد عنه النقد وجوبا لا احتمالا، والعكس هو الصحيح لأنه معني بالنقد
البناء لما تأتيه الوزارة حتما لتعلقه ببناء أمة، ومصير أمة، ووجود أمة. والبناء
والمصير والوجود وقائع مهاوية تستلزم حتما إعمال التفكير الناقد البناء فيها بعمق
لرفع القدسية عنها ولضبطها وفهمها بكفاية والحوار من أجلها. وهو ما يطلبه إدغار
موران في الثقب الأسود الرابع بضرورة السير على طرق الفهم والتفاهم.
الثقب الثالث:
في سياق [ ضرورة القيام بتقييم علمي يسمح بالوقوف على مدى جدوائية
ونجاعة كل ما أنجز واستشراف المستقبل ] يقتضي استعمال التفكير الناقد والمناهج
العلمية الدقيقة وأدواتها في التقييم والابتعاد عما من شأنه الخروج عن العلمية.
ويقتضي الوقوف على مدى جدوائية ونجاعة كل ما أنجز الاعتراف بما أنجز أولا ثم ثانيا
تقييمه وتبيان إيجابياته وسلبياته ونقط قوته وضعفه مع تقدير المجهودات المبذولة
فيه لا الضرب بها عرض الحائط، وتكديس منجزاته في سلات الإنكار والجحود والنسيان،
وتخزينها متلاشيات في أقبية الأبنية الحجرية بدعاو واهية لا تنهض مبررا موضوعيا
لما جرى مع محطات إصلاح المنظومة التربوية والتكوينية، مما جلب تسجيل الأسف لأنه
" لم يتم العمل، مع
كامل الأسف، على تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط ] البرنامج
الاستعجالي [ بل تم التراجع، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، عن مكونات
أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي،
وثانويات الامتياز". ويقتضي استشراف
المستقبل التحصيل على الدراسات المستقبلية في إطار المجرى العالمي بمعنى استحضار
العولمة أو الكوكبية في بعض الاصطلاح العربي فيما هو قائم، ولما سيكون قائما في
المستقبل، لأن العالم اليوم أصبح مجتمعا عالميا واحدا تتأثر مكوناته فيما بينها
ويؤثر بعضها في البعض الآخر. ولا مناص من تدقيق مستقبل المغرب في المدى الزمني
البعيد مع اعتبار المدى الزمني القصير والمتوسط لحضورهما في تنزيل المستقبل البعيد
على أرض الواقع. والدراسات المستقبلية الدقيقة لابد من تمكين التفكير السياسي
التربوي من تحديد غايته من المنظومة التربوية والتكوينية ضمن تكامله مع التفكير
التربوي الذي سيبني هذه الغاية من خلال اختصاصه في المنظور القريب والمتوسط تحقيقا
لها في المنظور البعيد بناء على الحقائق العلمية الواقعية والوقائع المرتقبة
مستقبلا. ولا يمكن القيام بكل هذا ما لم يكن في أدراج ديوان الوزارة رؤية سترجية
محكمة لما ستقوم به الوزارة علميا ومنهجيا في الإصلاح، تؤدي إلى استئصال مكامن
الإخفاقات عن علم ووعي، وتخرجها من التلمس إلى الإمساك بالنقط القوة ونقط الضعف
فيما أنجز، وتضع تشخيصا علميا واقعيا للكائن وتوصيفه، وتستشرف المستقبل وتوصف
الممكن، وتضبط ما بينهما من سيرورة الفعل. لكن ما وقع وما يقع يوحي بأن الوزارة
مازالت تتلمس طريق الإصلاح ويطغى عليها هاجس إخماد نار المجتمع المتأججة في
انتقادات منظمات المجتمع المدني لوضعية المنظومة وما آلت إليه من ضعف الكفاية
الداخلية والخارجية، وهو ما حز في نفس صاحب الجلالة الملك محمد السادس من حيث
" أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة
بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة "، ومقابل هاجس إخماد احتجاجات النقابات، والتعمية على النقد البناء الموجه من
قبل جلالته إلى الاشتغال على المنظومة التربوية والتكوينية من قبل الحكومة السابقة
بقوله: " وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فقد كان على الحكومة
الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا
مصيريا، يمتد لعدة عقود ". وهو النقد الذي قاد إلى هذه اللقاءات التشاورية
التي تجاوزت مطالبها العلمية النظرية والتطبيقية. ومثالا على التجاوز؛ نقف على
الموضوع الأول من بطاقة تأطير النقاش الخاصة بالمستوى المحلي والمتعلقة بمجالس
التدبير في الفقرة باء موضوع أهم المواضيع والأسئلة المطروحة للنقاش، والذي يعلن
عن نص قضيته أو موضوعه في (محدودية المدرسة الحالية في علاقتها مع
المشروع المجتمعي وأسس المدرسة المنشودة )[8]
ويقاربها بالأسئلة التالية: (ـ أين تكمن
محدودية المدرسة الحالية؟ ـ ماذا ينتظر المجتمع اليوم من المدرسة؟ـ كيف يمكن
للمدرسة تلبية الحاجيات المجتمعية الحالية؟ )[9].
فتنبثق منها جملة أسئلة جوهرية لا يمكن للمقاربة الانطلاق إلا من معطياتها وهي:
ـ ما المشروع المجتمعي الذي سيحتكم إليه مجلس
التدبير في محدودية علاقة المدرسة به؟ وهل للوزارة المشروع المجتمعي فعلا؟ أم مجرد
كلام معلق في الهواء؟ في المقابل؛ إن تركنا هذا الكلام مطلقا وعلى عواهنه، فكل رأس
مشارك في المجلس التدبيري له مشروعه المجتمعي الذي سيحتكم إليه في الجواب، ونعلم
أن مجلس التدبير مجالس وأن الرأس رؤوس. فانظر إلى تعقد المسألة وإلى التناقض
الحاصل فيها انطلاقا.
ـ ما أسس المدرسة المنشودة التي سيحتكم إليها
مجلس التدبير في محدودية علاقة المدرسة بها؟ وهل للوزارة مرجعية بهذه الأسس؟ أم هي
تلك الواردة في عبارات الميثاق الوطني للتربية والتكوين العامة؟ وما قيل عن
المشروع المجتمعي يقال هنا.
ـ السؤال الأول ( أين تكمن
محدودية المدرسة الحالية؟ ) هو دراسة
حالة يتطلب أدوات علمية في تحديد مناطق المحدودية علميا وواقعيا وليس تكهنا. وتتطلب
توظيف معاملات الارتباط لتحديد أثرها في محدوديتها بارتباطها بالمشروع المجتمعي
وبأسس المدرسة المنشودة وإلا نكون أمام القول العام غير الدقيق. ومناطق المحدودية
تختلف من مؤسسة لأخرى، ومن شخص لآخر ... فإلى أي حد ستكون الأجوبة عن هذا السؤال
أجوبة علمية صادقة قابلة للقياس علميا مؤدية إلى الحقائق العلمية المنتجة
للمحدودية؟ ...
ـ السؤال الثاني ( ماذا ينتظر المجتمع اليوم من
المدرسة؟
) سؤال خارج عن نطاق موضوعه. فمهما كان الجواب، فلن يجيب عن المحدودية، وإنما
سيستشرف انتظارات المجتمع من المدرسة، وهو موضوع آخر مفارق للموضوع الأول! وهو
سؤال يؤكد غياب المشروع المجتمعي الذي يتضمن انتظارات المجتمع من المؤسسة
التعليمية.
ـ السؤال الثالث (كيف يمكن
للمدرسة تلبية الحاجيات المجتمعية الحالية؟ ) يقتضي أولا
تحديد الحاجيات المجتمعية الحالية، فلا يمكن الجواب عن الكيفية في غياب تحديد
الحاجيات، والعلم بها ضرورة تقتضيها مقدمات الجواب؛ بمعنى أنها من مقتضيات الجواب!
ويقتضي ثانيا ربط مسألة المحدودية مع هذه الحاجيات لنقف على مكامن الخلل في كيفية
تلبية المؤسسة التعليمية لها. كما أنها تؤكد كذلك غياب المشروع المجتمعي المحدد
للحاجيات المجتمعية الحالية. وهو سؤال يلامس قضية المحدودية دون التعمق فيها
انطلاقا من كونه ينفتح على استشراف كيفية اشتغال المدرسة على تحقيق وتلبية
الحاجيات المجتمعية الحالية في الزمن المفترض لا في الزمن الكائن والواقع. بمعنى
الجواب هو إمكانية وليس كيفا واقعا. والإمكانية تتطلب من المستشار ( مجلس التدبير
) التمكن من النظرة الشاملة للمدرسة كنظام تربوي وتعليمي وتكويني والعلم الدقيق
بنسقيتها المفتوحة وبميكانيزمات اشتغالها وبمتطلبات وشروط اشتغالها. وبالتالي
الجواب عن السؤال ليس بالبساطة المتصورة، حيث يحتاج إلى فريق بحث متكامل
الاختصاصات. ولن أدخل في التفصيل لأن الورقة تقتضي الإشارة فقط، كما أني لن أقارب
كل مفردات البطاقات.
ومنه؛ نقف على اختلالات في منطلق
اللقاءات التشاورية بما يدعو إلى مراجعتها داخل نطاق الحوار مع أهل الاختصاص قبل
إنزالها إن كان لابد من تنزيلها. وإلا فإن عمليات علمية أساسية لابد من إنجازها
حتى يمكن تنزيل هذه اللقاءات التشاورية مع العلم أن البطاقات هي أدوات للبحث تتطلب
الضبط العلمي الدقيق. ونعلم أن قطاراللقاءات
التشاورية انطلق، ولن يتوقف إلا بتفعيل المهم في هذا الإطار، وهو " ليس المال أو الجاه،
ولا الانتماء الاجتماعي، وإنما هو الضمير الحي الذي يحرك كل واحد منا، وما يتحلى
به من غيرة صادقة على وطنه ومصالحه العليا ".
الثقب
الرابع: وهو التبسيط المفرط للقضية التربوية والتكوينية
وتسطيحها رغم تعقدها، والاعتقاد وهما بأن الجميع له إمكانية مقاربة إشكالياتها
وإشكالاتها ومشاكلها وقضاياها بكفاءة علمية وعلى مستوى عميق. ما أضفى على مقاربتها
البؤس والفقر، وما ستؤدي معه المنظومة التربوية والتكوينية ضريبة هذا التبسيط في
التشخيص والفهم والتعاطي والاستنتاج والتصور ... وما سيؤدي إلى نتائج طابعها
التبسيط والتسطيح والنظرة التجزيئية المفككة وهشاشتها العلمية. وكأني بالمنظومة
التربوية والتكوينية تفتقد إلى الوعي بتعقدها وعسر إمساك مكامن إخفاقاتها بهذا
التبسيط المبتذل الذي يؤدي في أحسن الأحوال إلى حقائق مبتذلة تقع في الكلام العام
والإنشاء التربوي، والتي يعدها نيلز بوهر خطأ بليدا[10]
بدل الاستعانة مثلا بإبستيمولوجيا التعقيد للاشتغال بنظرية النسق والنظرية
الأيكولوجية و غيرها وإيجاد الناظم بين مكونات النسق في إطار نظرة شمولية
للمنظومة. كما أن هذا التبسيط والتسطيح سيقحمنا في الذاتية الطفولية ويجلب
نظرياتها الساذجة بدل النظريات العلمية التي تؤطر مبحث الإخفاقات، وبالتالي نصل
إلى حقائق سطحية بسيطة بدل تلك الحقائق العميقة المؤثرة في نسق المنظومة. وتقع
التعمية والضبابية والرمادية على الإصلاح بما يؤدي إلى نقيض الهدف منه. وهذا
التبسيط يحيلني على مقولة: ( في أوقات الأزمات يميل الناس إلى التبسيط ويكون تعقيد
الصورة أمرا مكروها )[11].
كما ( أن تبسيط الأمور عدو لدود للملاحظة والتجريب والتخصيص)[12].
وهنا لابد من الإشارة أن الأمر لا يعلق بجمع آراء ووجهات نظر أو حقائق علمية بقدر
ما متعلق بمصير الإنسان والبلاد في الراهن والمستقبل. والبناء المشيد على التبسيط
والتسطيح كثيرا ما ينهار على أهله أمام العواصف والزلازل والزوابع والأزمات لأن
البناء هش. وكنت أعتقد أن المنظومة التي منوط بها تكوين الفكر العلمي بمختلف
أبعاده ستخرج بطاقات أو استمارات دقيقة في بنيتها ووظيفتها، وستطرح سيناريو التنزيل
بطريقة مختلفة عما جرت عليه أطروحات الإصلاحات السابقة، بمعنى كنت أتوقع إبداعا في
المقاربة، لكن مع الأسف الشديد أجد ما طرحته فيها نسخة مما قامت به سابقا تجاه
تقويم وتقييم البرنامج الاستعجالي مع اختلاف في هوامش معينة، وكأنها لم تستثمر ما
سبق في طرحها قوة أو ضعفا! وكان على المنظومة الاستعانة بالخبرة الوطنية الكفءة
في إعداد البطاقات وتدقيقها
[1] انظر الثقوب السبعة في محاضرة إدغار موران ليوم
6 فبراير 2004 بالرباط، منشورة رقميا.
[2] وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، الورقة
التأطيرية للقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية، الاثنين 21 أبريل 2014.
[3] نفسه.
[4] كل ما يأتي بين علامتي التنصيص " " هو
مقتطف من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس لـ 20 غشت 2013.
[5] د. عبد الكريم بكار، فصول في التفكير الموضوعي،
دار القلم، دمشق، سوريا، 1429/ 2008، ط 5، ص.: 95.
[6] نفسه،ص.: 298.
[7] نفسه، ص.: 299.
[8] وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ورقة
تأطيرية للقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية، ص. 14.
[9] نفسه، ص.: 14.
[10] انظر: د. يوسف تيبس، نحو براديغم جديد، مجلة رؤى
تربوية، العدد29، صص.: 119 ـ 123.
[11] د. عبد الكريم بكار، فصول في التفكير الموضوعي،
مرجع سابق، ص.: 296.
[12] نفسه، ص.: 296.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق