مما لا ريب فيه
اليوم، أن كل ذي عين فاحصة وبصيرة غير ناقصة، متتبع عن كثب للشأن العام الوطني
والإقليمي بروية، سيقف دون كبير عناء على حقيقتين واضحتين وضوح الشمس والقمر وسط
السماء، أولاهما أن صناديق الاقتراع المعتمدة في بلداننا النامية،
لم تعد تتميز بشفافية زجاجها البلوري وحسب، بل أصبحت في عصر الثورات التكنولوجية، مبرمجة كذلك على فرز من تراه الأنسب لإدارة شؤون المرحلة بكل "نزاهة"، ويمكن التمديد له بإعادة "انتخابه" لولايات عدة متى امتثل للأوامر وأحسن قواعد اللعب، ولنا في نموذج الانتخابات الرئاسية بالشقيقة الجزائر خير مثال على روح "الديمقراطية"، وثاني الحقيقتين أن رئيس حكومتنا السيد: عبد الإله ابن كيران ليس بالغباء الذي قد يتصوره البعض، من خلال قفشاته وشطحاته المتواترة...
لم تعد تتميز بشفافية زجاجها البلوري وحسب، بل أصبحت في عصر الثورات التكنولوجية، مبرمجة كذلك على فرز من تراه الأنسب لإدارة شؤون المرحلة بكل "نزاهة"، ويمكن التمديد له بإعادة "انتخابه" لولايات عدة متى امتثل للأوامر وأحسن قواعد اللعب، ولنا في نموذج الانتخابات الرئاسية بالشقيقة الجزائر خير مثال على روح "الديمقراطية"، وثاني الحقيقتين أن رئيس حكومتنا السيد: عبد الإله ابن كيران ليس بالغباء الذي قد يتصوره البعض، من خلال قفشاته وشطحاته المتواترة...
فهذا الرئيس "الفذ"، ما كان ليتم
احترام المنهجية الديمقراطية المنصوص عليها دستوريا، ويقع عليه الاختيار كرجل
مرحلة ما بعد الربيع العربي، لو لم يسبق تدجينه وإخضاعه بالتدريج لشروط اللعبة
السياسية، عبر مشاركات محدودة في الاستحقاقات الانتخابية السالفة، إلى أن استوعب الدرس
جيدا ولم يعد من شيء يشغل باله عدا البحث لحزبه، الذي ظل محل ريبة وتوجس منذ
التفجيرات الإرهابية ل: 16 ماي 2003، عن موطئ قدم في الساحة السياسية، حيث صار بفضل
الترويض المكثف من بين أكثر المؤهلين لتحمل ثقل المرحلة واحتواء آلام الضربات
الموجعة، ولم يعد تحقيق آمال وأحلام المواطنين من أولوياته، على الأقل في ولايته
الأولى. إنه يعلم أن جمهور الناخبين فئات، وأن الفئة الواسعة والعريضة فقدت منذ
زمن بعيد الثقة في العملية الانتخابية برمتها لاعتبارات عدة من بينها شراء الذمم،
التلاعب بأصوات الناخبين، وبلقنة الخريطة السياسية... وفئات أخرى متنوعة، لا تهمه
انتقاداتها مادامت لن تؤثر على نتائج الانتخابات المقبلة، في ظل توفره على قاعدة
شعبية تؤمن حد العمى، بطهرانية حزبه ذي المرجعية الإسلامية ونظافة أيدي مناضليه، والتي
لا يمكن إغراؤها ولا إقناعها بالتصويت لغيره خوفا من العقاب الإلهي، ويعلم أيضا أن
مقتضيات الدستور الجديد صيغت على غير مقاسه، وأن ما منحه من صلاحيات موسعة، لن
يكون أبدا قادرا على ممارستها، وحتى لا يبدو كذلك، كان لزاما عليه الاستعانة بما اكتسبه
من دهاء، متى دعت الضرورة إلى ذلك...
ربطة العنق، كانت مفتاحه الذهبي لولوج "القلعة"
الحصينة لرئاسة الحكومة، دون أن يرقى إلى مستوى حجمها والتخلص من عباءة الأمانة
العامة لحزبه، امتطى صهوة كرسيه الدوار، استل قلمه الحاد كالمسمار، وبدل التخطيط
لتوزيع عادل لثروات البلاد، شرع في نشر الأوهام على العباد، تارة بمحاربة الريع
والفساد، وأخرى بمكافحة المحسوبية والاستبداد... وعلى قرع الطبول ووقع ضربات
الدفوف من طرف صقوره المروضة، كانت عمليات الإحماء تتصاعد، على غرار ما يحدث في
حفلات "الجذبة"، وكلما ارتفعت درجة الحرارة ازداد الرجل توغلا في المراوغة
وتشددا في الهجوم. يكاد الملاحظون يجزمون بأن التاريخ المغربي المعاصر لم يعرف "لاعبا"
مثله، فهو الوحيد الذي تمكن بحسه "الفكاهي" أن يضفي على المشهد السياسي
نوعا من العبث الفرجوي، ويرفع نسبة مشاهدة النقل المباشر لأحداث البرلمان، خاصة في
جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة حول السياسة العامة، وفق الفصل 100 من الدستور. بيد أن رصيد شعبيته ودهائه سرعان ما بدأ في
التآكل، اهتزت صورته وانكشفت ألاعيبه، ووحدها الأيام أماطت اللثام عن قبحه وعجزه الصارخ
عن معالجة القضايا المطروحة، وبدت معظم تسديداته متسرعة وعشوائية، إن لم تكن مثيرة
لسخط وغضب الجماهير. إنه لا يحسن استغلال ما يدركه من فرص، ولا يعرف كيف يتدارك ما
فاته منها، فأمسى ضائعا بلا بوصلة وسط حقل مليء بالألغام...
نحن اليوم على بعد أيام قليلة من انطلاق ثالث
تظاهرات فاتح ماي، في عهد حكومة السيد ابن كيران، فما الذي تحقق لفائدة هذا الشعب
المناضل والصبور؟ أين تبخر بريق الشعارات التي رفعها حزبه إبان وبعد حملاته
الانتخابية؟ أين اختفت كل التزاماته ووعوده؟ لم يستطع الرجل القيام بأي إنجاز خارج
التهديد والوعيد، وتبديد الزمن السياسي في التطاحن والتصعيد، عدا الاستئثار
بالمسؤوليات والنزوع نحو الاستفراد بالقرارات، والاستخفاف بالمقترحات حتى الواردة
من أعضاء ائتلافه الحكومي.. توالت الزيادات الظالمة في أسعار المحروقات واستفحل
غلاء المعيشة، ارتفعت الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وعم التقشف المجالات
الاجتماعية والأكثر حساسية: التعليم الصحة والسكن...غرقت البلاد في مستنقعات
المديونية، وأصبح مستقبل الأجيال القادمة غامضا، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
في تدهور متواصل، قيمة الأجور تدنت إلى أسوأ الحدود، ارتفاع رهيب في معدلات الفقر
والأمية والبطالة، خاصة في صفوف الشباب من المتعلمين وحاملي الشهادات العليا،
تنامي مظاهر الرشوة والمحسوبية وانتشار كافة أشكال الفساد وسيادة ثقافة الامتيازات
وعدم المساواة، ضعف الأمن الاجتماعي والتعليمي والصحي، وما إلى ذلك من اختلالات ما
انفكت رقعتها تتسع بوتيرة متسارعة... لم يطور اقتصادا ولا جلب استثمارات جديدة، ما
أوجد حلولا للمشاكل المتكدسة ولا سعى إلى تطوير أشغال البرلمان والرفع من فعاليته
واحترام مصداقيته، يمارس كل السلط التنفيذية في الحكومة ولا يبرع إلا في الترهات
والدعاية، فما نفعه فيه دهاؤه مع رفاق دربه في الحزب، هو تلك المحاولات اليائسة لتبرير
ما تراكم من إخفاقات وانتكاسات، حين أبى إلا أن يصنع لنفسه كيانات وهمية استباقا للمحاسبات
الشعبية: الدولة العميقة، التماسيح، العفاريت والمشوشين... وتسهيلا لمأموريته في خلط
الأوراق وتشتيت الانتباه عن فشل تجربته وعدم توفقه في تفعيل مضامين الدستور،
وإنجاح المعركة الحقيقية للانتقال الديمقراطي، فالرجل يقضي معظم أوقاته في أنشطة
حزبه عبر تنقلاته المكوكية في أقاليم المملكة، للوقوف مزهوا بخطبه العصماء أمام "الأنصار"،
الذين لا يتوقفون عن التصفيق وترديد الشعارات: "ابن كيران ووليداتو تافرقة ماغلباتو"،
لقد كان من الأجدر لمن يدعي الصدق ومخافة الخالق، الانكباب بجدية على فتح ملفات
الإصلاح ذات الطابع الاستعجالي، من قبيل صندوقي المقاصة والتقاعد في إطار من التشاركية
الواقعية، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتردية، بالبحث عن
موارد مالية عبر عقلنة السلوك الإداري ومكافحة الفساد والحد من تهريب الأموال
والتهرب الجبائي، السهر على إرساء قواعد حكامة جيدة في تدبير الشأن العام، العمل
على تجويد أسلوب إدارة الميزانيات وضبط وترشيد الإنفاقات، بسط سبل تحقيق تنمية
بشرية شاملة ومستدامة، وكل ما له صلة مباشرة بمراعاة حاجيات المواطنين، بدل هدر
الزمن في التنقلات الفارغة والتطاحنات السياسوية، التي لن تشغل عاطلا أو تطعم
جائعا أو....
فلنضع خلافاتنا جانبا، ولنرص صفوفنا لإخراج
البلاد من ورطتها، التي ليست في الوقت الراهن سوى "حكومة ابن كيران"، ولنجعل من
فاتح ماي هذه السنة مدخلا رئيسيا للتصالح مع السياسة والعودة بقوة إلى المؤسسات
النقابية، والأحزاب الوطنية ذات الرصيد النضالي المشرق، ولمناهضة كافة أشكال
الحكومات المتسلطة اللاحقة، ورمزا قويا للتحرر من قبضة الفساد والاستبداد، ومن
قيود العهر السياسي، ومن أغلال القهر والظلم والطغيان والحرمان، ولنعلن من خلاله عن
تذمرنا واستيائنا لما يجري حولنا من مهازل تعبث بمصالحنا وتستنزف ثرواتنا، ونحوله إلى
مسيرة خضراء ثانية نحو تغيير الواقع المرير، في اتجاه عدالة اجتماعية، عيش كريم وبناء
مجد هذا الوطن الأبي، إلى محطة فارقة وفرصة للتعبير الحر عن غضبنا واحتجاجنا بشكل
حضاري وسلمي ضد القرارات اللاشعبية، للجهر بتطلعاتنا وآمالنا والكشف عن حجم آلامنا
ومختلف انشغالاتنا وهمومنا، وللانتفاضة ضد سياسات التفقير والتجويع، ضد اغتصاب
طفولتنا البريئة وانتهاك الحقوق وسلب الحريات، ضد القمع والإذلال والتركيع وتمريغ
الكرامة الإنسانية في الوحل، فلا تتركوا للحكومة مجالا للمزيد من التشفي بقلة أعدادنا،
تعالوا جميعا أيها الكادحون والعمال والباعة المتجولون والتجار الصغار والكبار والمسحوقون
والمهمشون والمعطلون والفقراء والمعوزون.... لندين بجرأة الطبقية والإقطاعية،
وانعدام المراقبة الصارمة وغياب النزاهة والشفافية، ولنقف وقفة رجل واحد بعيدا عن
أجواء التمييع والبهرجة غير المسؤولة، ونقول بصوت واحد: " لا للحكرة
والاستغلال والتسلط، لا لسياسة فرض الأمر الواقع، لا للحرمان والاستلاب والاغتراب،
لا للأوضاع المزرية ولا لكل مظاهر التخلف والرجعية..."
اسماعيل الحلوتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق