بعد النجاح في امتحان الالتحاق الإعدادية ، وكانت تسمى وقتذاك بدروس الملاحظة Cours d’observation ، كنت آنذاك أحس أنني لم أعد ذلك التلميذ الصغير ذي المحفظة الجلدية الخفيفة، بل كبُرت وخلُق في نوع من الاستعلاء نحو تلاميذ المدرسة ، بل لم أعد أرافقهم في طريق المدرسة أو العودة على بيوتنا.
أصبحت أتعلم على أيدي أساتذة كثُر لمواد جديدة ومختلفة . كان عندي ميل إلى مادة اللغة الفرنسية ، وسبب ذلك بعض المعاملة والسخرية التي كنت أتلقاها في المدرسة من قبلُ على الخصوص من طرف التلاميذ كلما جاء دوري في قراءة نص من الكتاب أو استظهار بعض المطلوب، للإشارة كنت من المنحدرين والوافدين من البادية.
ومن الأساتذة الذين كانوا ولا يزال لهم أثر كبير في نفسيتي ومساري الدراسي ، الأستاذ الجليل محمد الأنيق ، مدرس اللغة الفرنسية . اسمه يكفي ويدل على شخصه ، طويل القامة ، ملابسه أنيقة باستمرار ويغار على لغته أكثر من نفسه ، أتذكر أنه كان دائماً يقوم بتصحيح الأخطاء الواردة في سبورة الإعلانات داخل المؤسسة ، للعلم ، كانت هذه الإعلانات تحرر باللغة الفرنسية . كنت محبوباً عنده كواحد من أبنائه ، هكذا كان يقول لي ، جعلني أحب لغة موليير حيث كان يزودني بروايات صغيرة وكان يأمرني بإرجاعها إليه مرفوقة بملخصاتها . كان دائما يمنحني مقابل مجهوداتي مجلة Rodéo المشهورة في ذلك الوقت .
تأثيره علي جعلني أقلده من حين لآخر في كلامه وحركاته بطلب من التلاميذ ونحن ننتظر دق الجرس للدخول إلى المؤسسة ، كنت أتقن ذلك ، وهو من دفعني إلى امتهان التدريس فيما بعد .
لا أشك في أن علوَّ وطنيته هي التي جعلت منه ذلك الأستاذ القاسي والحليم في الوقت نفسه ، وهو المشهور بمقولته المتكررة :Il n’y a jamais de temps à perdre .
أما تلاميذه الكبار، أتذكر أن واحداً منهم كان متزوجاً ، فأحسن وصف اخترت لهم في مخيلتي هو " الرجال الصغار " . لا أنكر أن أستاذنا كان يعنفنا ويقسو علينا ، وما تذكرت أن جرؤ أحد منا يوماً على الرد عليه ولو بكلمة ، بل حتى نصفها ، حصصه كانت تمر دائماً وكلها حركية وعمل وتعلم وكتابة ، سألت عنه فيما بعد ، فقيل لي إنه يعمل مفتشاً بمدينة الرباط ، فنعم الأستاذ والإنسان . وجدت نفسي مضطراً لأقول : " قلَّ نظيره في يومنا هذا " . إنني لا أستصغر من شأن أساتذتي الآخرين ، بل أتوجه إليهم جميعهم بكل تقديري واحترامي .
ذ, أوحنـي أحمـد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق