المساء : 04 - 04 - 2011
دخل العالم، مع بداية القرن ال21، عصرا جديدا لم تعرفه البشرية من قبل وأصبح قرية صغيرة يتاح فيها تبادل كل شيء وأي شيء بدون حواجز أو قيود جمركية. حتى دواخل الشعوب وخصوصياتها وتجاربها، من عادات وتقاليد، أصبحت قابلة للتصدير والاستيراد. وأمام هذا الانفتاح، تظل الدول الصغيرة تحت رحمة هذا الغزو الجارف من ألفه إلى يائه، ولم يسلم المغرب
-كدولة صغيرة- بدوره من هذا، فلطالما سمعنا في بلدنا الأمين إعجابه بالتجارب الأخرى واستيراده إياها، وهذا ما ينطبق على البرامج التعليمية التي ظل يعتمد فيها على تجارب الآخرين، كالتجربة الفرنسية والكندية، ومؤخرا، التجربة التعليمية الأندونيسية... إلا أن جميع هذه التجارب فشلت وستفشل، فلماذا فشلت -يا ترى- مع أنها نجحت في بلدانها؟ الجواب في متناول الجميع طبعا، وهو -ببساطة- لا يتناسب ولا يحترم طبائعنا ولا خصوصياتنا ولا هويتنا ولا نفسيتنا ولا شيء قط...
لقد عمل المغرب، طيلة العشرية الأخيرة، على فتح مجموعة من الورشات الكبرى، من تنمية بشرية وإصلاح مجال الحريات وإقلاع بالمنظومة التعليمية وإصلاحها. وفي هذا الصدد، تم الخروج بميثاق التربية والتكوين، فالمتصفح لهذا الميثاق وغير العارف بما في الدار يقول -ولا شك- «أنعِمْ به من إصلاح»، لكنْ يبقى هذا «الإصلاح» كمن يصنع لباسا من أفخر الأثواب ولدى أمهر الخياطين، لكنْ من دون أخذ المقاسات الضرورية.. فالأكيد أن لابس هذه الثياب سيجعل نفسَه محط سخرية الآخرين، مما يعجل بالابتعاد عنه.
انقضت العشرية وخرج المجلس الأعلى للتعليم بقرار يؤكد فشل الميثاق، وأسهب في تفصيل المشاكل والعراقيل التي حالت دون نجاحه، لكن الوزارة سرعان ما تداركت الأمر ب»مخططها الاستعجالي»، الذي يكمل ما بدأه الأول، فأصبحت الدولة تناقض نفسها، فالمجلس الأعلى يُقِرّ بالفشل، بينما الوزارة تجعله ناقصا فقط. لقد حمّلت الوزارة، على لسان مسؤوليها، علانية، فشل الإصلاح للحلقة الأضعف في المنظومة، على اعتبار أن الاصلاح عمّ كل شيء حتى وصل باب القسم فتوقف.. طبعا، هي سياسة الهروب والتملص من المسؤولية، كما هو معتاد.
إذن، فالسبيل إلى الإصلاح -حسب الوزارة- هو «المخطط الاستعجالي»، الذي «استعجل» نهاية المدة المحددة له في ثلاث سنوات، من دون نتائج تُذكَر، فالهدف منه كإصلاح، حسب الوزارة، هو الوقاية قبل العلاج، فتجسد في إطلاق مشروع «جيل مدرسة النجاح»، الذي يعتمد على عدم التكرار وعلى الاحتفاظ بالمتعلم، مكرَهاً لا بطلا، حتى الباكالوريا.
ولا يخفى على أحد أن المدرسة، بالإضافة إلى الإعلام والأحزاب وغيرها، هي من «الأدوات» التي من خلالها يمكن للدولة أن تتحكم في بنية المجتمع وفي نسيجه، السياسي والثقافي، سواء أرادت التغيير أو تكريس التخلف، وبالتالي يظهر جليا ماذا كان المقصود ب»إصلاحات» من هذا النوع.
لقد حاول الاصلاح الحفاظ على المقدسات والثوابت، من جهة، كالهوية الإسلامية والوطنية والملكية، بالإضافة إلى العلم والتكنولوجيا والمساواة والتسامح والاختلاف وحقوق الإنسان.. ويمكن تلمس ذلك في المراجع والكتب المقررة، البعيدة عن الواقع المعيش وعن خصوصياته. كما يظهر اختلاله في الاهتمام بالعدد على حساب الجودة، فكل تركيزه منصبّ على التسجيلات وبكل الطرق (برنامج «تيسير»، توزيع الكتب..) وعلى نسب الاحتفاظ داخل الاقسام، بدل حل المشاكل الحقيقية، كالاكتظاظ والأقسام المشترَكة ونقص الأطر وغيرها... أما من الناحية التربوية، فاعتماد الإصلاح على الكفايات بدل الأهداف، بهدف الارتقاء بالمتعلم الى التعليم الحديث وتركيز العملية التعليمية عليه، تلك الكفايات نفسها يكتنفها الغموض، فهناك في المغرب من يعتبرها مجرد جيل ثالث من الأهداف، وهناك من يعتبرها قائمة بذاتها. هذا الغموض وهذا التطبيق يمران في غياب المواكبة بالتأطير والتكوين النظري والعملي للتربويين، بالإضافة إلى بعض الكتب المدرسية التي تخلط تارة بين الأهداف وتارة بين الكفايات، حتى إن بعضها لا يعرف كيف رخص لها بأن تكون مراجع مدرسية.
ومع التسليم بجمالية هذا الإصلاح وحداثة هذه البيداغوجيات، أليس من العيب تطبيقها في مدرسة ما زالت تتخبط في مظاهرها البدائية، على مستوى البنيات والتجهيزات ونقص الأطر؟
لقد تعاقبت على المغرب إصلاحات كثيرة بعد الاستقلال، كإصلاحات 1956، 1964، 1973، 1984 و1994، وكلها فشلت لأسباب كثيرة ومختلفة، من بينها التعامل مع التعليم من دون تصور شامل وانفراد الدولة دائما بالإصلاح والتعامل مع القطاع بعيدا عن باقي القطاعات والتبعية للغرب في منظوماته وجدولة الديون على حساب ميزانية التعليم وإبعاد المركزيات النقابية..
كخلاصة، فميثاق التربية والتكوين ورديفه المخطط الاستعجالي جاءا لذر الرماد في العيون ولضرب مصداقية المدرسة العمومية وإيصالها الى الإفلاس، لجعلها «سلعة» للبيع، من خلال تخلي الدولة عن التعليم للخواص، عن طريق التساهلات الضريبية والتسهيلات في الاستثمار وكذلك من خلال الهجوم على مكتسبات الشغيلة التعليمية، عن طريق التوظيف على أساس التعاقد والمدرس متعدد الاختصاصات والعمل بالساعات الإضافية والترسيم على أساس المردودية...
دخل العالم، مع بداية القرن ال21، عصرا جديدا لم تعرفه البشرية من قبل وأصبح قرية صغيرة يتاح فيها تبادل كل شيء وأي شيء بدون حواجز أو قيود جمركية. حتى دواخل الشعوب وخصوصياتها وتجاربها، من عادات وتقاليد، أصبحت قابلة للتصدير والاستيراد. وأمام هذا الانفتاح، تظل الدول الصغيرة تحت رحمة هذا الغزو الجارف من ألفه إلى يائه، ولم يسلم المغرب
-كدولة صغيرة- بدوره من هذا، فلطالما سمعنا في بلدنا الأمين إعجابه بالتجارب الأخرى واستيراده إياها، وهذا ما ينطبق على البرامج التعليمية التي ظل يعتمد فيها على تجارب الآخرين، كالتجربة الفرنسية والكندية، ومؤخرا، التجربة التعليمية الأندونيسية... إلا أن جميع هذه التجارب فشلت وستفشل، فلماذا فشلت -يا ترى- مع أنها نجحت في بلدانها؟ الجواب في متناول الجميع طبعا، وهو -ببساطة- لا يتناسب ولا يحترم طبائعنا ولا خصوصياتنا ولا هويتنا ولا نفسيتنا ولا شيء قط...
لقد عمل المغرب، طيلة العشرية الأخيرة، على فتح مجموعة من الورشات الكبرى، من تنمية بشرية وإصلاح مجال الحريات وإقلاع بالمنظومة التعليمية وإصلاحها. وفي هذا الصدد، تم الخروج بميثاق التربية والتكوين، فالمتصفح لهذا الميثاق وغير العارف بما في الدار يقول -ولا شك- «أنعِمْ به من إصلاح»، لكنْ يبقى هذا «الإصلاح» كمن يصنع لباسا من أفخر الأثواب ولدى أمهر الخياطين، لكنْ من دون أخذ المقاسات الضرورية.. فالأكيد أن لابس هذه الثياب سيجعل نفسَه محط سخرية الآخرين، مما يعجل بالابتعاد عنه.
انقضت العشرية وخرج المجلس الأعلى للتعليم بقرار يؤكد فشل الميثاق، وأسهب في تفصيل المشاكل والعراقيل التي حالت دون نجاحه، لكن الوزارة سرعان ما تداركت الأمر ب»مخططها الاستعجالي»، الذي يكمل ما بدأه الأول، فأصبحت الدولة تناقض نفسها، فالمجلس الأعلى يُقِرّ بالفشل، بينما الوزارة تجعله ناقصا فقط. لقد حمّلت الوزارة، على لسان مسؤوليها، علانية، فشل الإصلاح للحلقة الأضعف في المنظومة، على اعتبار أن الاصلاح عمّ كل شيء حتى وصل باب القسم فتوقف.. طبعا، هي سياسة الهروب والتملص من المسؤولية، كما هو معتاد.
إذن، فالسبيل إلى الإصلاح -حسب الوزارة- هو «المخطط الاستعجالي»، الذي «استعجل» نهاية المدة المحددة له في ثلاث سنوات، من دون نتائج تُذكَر، فالهدف منه كإصلاح، حسب الوزارة، هو الوقاية قبل العلاج، فتجسد في إطلاق مشروع «جيل مدرسة النجاح»، الذي يعتمد على عدم التكرار وعلى الاحتفاظ بالمتعلم، مكرَهاً لا بطلا، حتى الباكالوريا.
ولا يخفى على أحد أن المدرسة، بالإضافة إلى الإعلام والأحزاب وغيرها، هي من «الأدوات» التي من خلالها يمكن للدولة أن تتحكم في بنية المجتمع وفي نسيجه، السياسي والثقافي، سواء أرادت التغيير أو تكريس التخلف، وبالتالي يظهر جليا ماذا كان المقصود ب»إصلاحات» من هذا النوع.
لقد حاول الاصلاح الحفاظ على المقدسات والثوابت، من جهة، كالهوية الإسلامية والوطنية والملكية، بالإضافة إلى العلم والتكنولوجيا والمساواة والتسامح والاختلاف وحقوق الإنسان.. ويمكن تلمس ذلك في المراجع والكتب المقررة، البعيدة عن الواقع المعيش وعن خصوصياته. كما يظهر اختلاله في الاهتمام بالعدد على حساب الجودة، فكل تركيزه منصبّ على التسجيلات وبكل الطرق (برنامج «تيسير»، توزيع الكتب..) وعلى نسب الاحتفاظ داخل الاقسام، بدل حل المشاكل الحقيقية، كالاكتظاظ والأقسام المشترَكة ونقص الأطر وغيرها... أما من الناحية التربوية، فاعتماد الإصلاح على الكفايات بدل الأهداف، بهدف الارتقاء بالمتعلم الى التعليم الحديث وتركيز العملية التعليمية عليه، تلك الكفايات نفسها يكتنفها الغموض، فهناك في المغرب من يعتبرها مجرد جيل ثالث من الأهداف، وهناك من يعتبرها قائمة بذاتها. هذا الغموض وهذا التطبيق يمران في غياب المواكبة بالتأطير والتكوين النظري والعملي للتربويين، بالإضافة إلى بعض الكتب المدرسية التي تخلط تارة بين الأهداف وتارة بين الكفايات، حتى إن بعضها لا يعرف كيف رخص لها بأن تكون مراجع مدرسية.
ومع التسليم بجمالية هذا الإصلاح وحداثة هذه البيداغوجيات، أليس من العيب تطبيقها في مدرسة ما زالت تتخبط في مظاهرها البدائية، على مستوى البنيات والتجهيزات ونقص الأطر؟
لقد تعاقبت على المغرب إصلاحات كثيرة بعد الاستقلال، كإصلاحات 1956، 1964، 1973، 1984 و1994، وكلها فشلت لأسباب كثيرة ومختلفة، من بينها التعامل مع التعليم من دون تصور شامل وانفراد الدولة دائما بالإصلاح والتعامل مع القطاع بعيدا عن باقي القطاعات والتبعية للغرب في منظوماته وجدولة الديون على حساب ميزانية التعليم وإبعاد المركزيات النقابية..
كخلاصة، فميثاق التربية والتكوين ورديفه المخطط الاستعجالي جاءا لذر الرماد في العيون ولضرب مصداقية المدرسة العمومية وإيصالها الى الإفلاس، لجعلها «سلعة» للبيع، من خلال تخلي الدولة عن التعليم للخواص، عن طريق التساهلات الضريبية والتسهيلات في الاستثمار وكذلك من خلال الهجوم على مكتسبات الشغيلة التعليمية، عن طريق التوظيف على أساس التعاقد والمدرس متعدد الاختصاصات والعمل بالساعات الإضافية والترسيم على أساس المردودية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق