إعداد: عبد العزيز قريش
تأطير موضوع الورقة:
موضوع هذه الورقة يتأطر داخل مجالات التحليل الألسني، خاصة منه التحليل النقدي للخطاب، الذي يربط في تحليله بين بنية الخطاب والعلاقات السلطوية في المجتمع . حيث ( يتناول كيفية تحقيق هذه العلاقات وتثبيتها، أو مناهضتها، من خلال التفاعل الخطابي ) ، وهو يتميز ( بأنه يقيم جسرا بين مجالين: التحليل اللغوي للنص، والعلوم الاجتماعية، وبالتالي فهو يحلله باعتباره معطى يستند إليه في تعليلاته النظرية ) . وهو ما سيسمح لنا في هذه الورقة بالوقوف على المغالطات بل الأوهام التي تخلقها لغة " الأكثر تمثيلية " في المجتمع، خاصة مجتمع الشغيلة. والتي تبني علاقات سلطوية يكتنفها الكثير من الملابسات والغموض بين الأجهزة التدبيرية للمنظمات النقابية وبين قواعدها من جهة أولى. وبينها وبين السلطة من جهة ثانية. وتكرس الإلغاء والإقصاء المجتمعي والاجتماعي بل والإقصاء " القانوني " لمن ولما خالف هذه اللغة، وذلك مباشرة بصنع قوانين وتشريعات على مقاس هذه اللغة المسيطرة في مجتمع الشغيلة من قبل نخبة نقابية تحاول الإبقاء على سكونية مواقعها ودوامها داخل التنظيم النقابي وداخل المجتمع السياسي أو بطريقة غير مباشرة ببناء ثقافة نقابية تحافظ على البنى الطبقية القائمة في مجتمع الشغل...
وعلى العلاقات البينية التي تتعالق بها،وفي أطر المخزن والسلطة كما ستوضح هذه الورقة. ولغة " الأكثر تمثيلية " تنتج معنى لا يمكن فهمه جيدا إلا من خلال فهم منتجيه وإنتاجه عبر( التفاعل بين ]عناصر ثلاثة؛ حيث [ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار موقع المنتجين المؤسساتي، ومصالحهم، وقيمهم، ونواياهم، ورغباتهم ... إلخ، والعلاقات بين عناصر توجد على مستويات مختلفة في النصوص، ومواقع المتلقين المؤسساتية، ومعرفتهم، وأهدافهم، وقيمهم ... إلخ ) . وهو ما يمكن الإشارة إليه بالقيادة والقاعدة والمجتمع والنصوص النقابية والمنتوج النقابي كذلك: خطابا كان أو ممارسات أو غير ذلك. وهنا لابد من الإشارة أن التحليل النقدي لهذا الخطاب سيفرز الكثير من رواسب عقلية الامتيازات في التشريع وفي الممارسة الميدانية.
وعلى العلاقات البينية التي تتعالق بها،وفي أطر المخزن والسلطة كما ستوضح هذه الورقة. ولغة " الأكثر تمثيلية " تنتج معنى لا يمكن فهمه جيدا إلا من خلال فهم منتجيه وإنتاجه عبر( التفاعل بين ]عناصر ثلاثة؛ حيث [ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار موقع المنتجين المؤسساتي، ومصالحهم، وقيمهم، ونواياهم، ورغباتهم ... إلخ، والعلاقات بين عناصر توجد على مستويات مختلفة في النصوص، ومواقع المتلقين المؤسساتية، ومعرفتهم، وأهدافهم، وقيمهم ... إلخ ) . وهو ما يمكن الإشارة إليه بالقيادة والقاعدة والمجتمع والنصوص النقابية والمنتوج النقابي كذلك: خطابا كان أو ممارسات أو غير ذلك. وهنا لابد من الإشارة أن التحليل النقدي لهذا الخطاب سيفرز الكثير من رواسب عقلية الامتيازات في التشريع وفي الممارسة الميدانية.
ولتبيان ذلك نسوق هذه الورقة متخذين مثالا حيا على ذلك وهو نقابة مفتشي التعليم والنقابة الشمولية ذات لغة " الأكثر تمثيلية ". علما بأن هذه اللغة هي عند الأغلب الأعم من النقابيين مقدسة حد تحريم الاقتراب منها، فبالأحرى تحليلها ونقدها. والورقة تعمدت طرح هذا المقدس على النقاش، لكي نرفعه لدرجة الموضوع المشيد على الوقائع لأجل التطوير والتجديد بدل السكون والتحجر في صدفة قدسيته وقدسية منتجيه. فمهما كان عائد النقاش مؤلما للبعض أو تشريحا لمستوره أو نشرا لغسيله، سواء أكان هذا البعض مؤسسة أو إطارا فيها. ومن منطلق الحراك الاجتماعي والتطور الحضاري والعلمي للإنسانية نرى لا فائدة في عقل لا يتناول ظواهر مجتمعه بالتحليل والنقد من أجل تطويرها وإيجاد الحلول لمشاكلها. ونعتبره عقلا ميتا يستوجب التكبير عليه والصلاة عليه من باب الموت الطبيعي. وستتناول الورقة موضوعها من خلال عناوين منها: لماذا نقابة مفتشي التعليم؟
من يدرس الحركة النقابية المغربية لا يسعه إلا أن يسجل لها بفخر واعتزاز تأصيل مبادئ الدولة الحديثة في المغرب من منطلق الحراك الاجتماعي، ومن المنطلق الوجودي في بعض الأحيان، ووفق السائد في الحقب التاريخية التي مرت منها الحركة النقابية. مقدمة تضحيات جساما، ينحني أمامها كل دارس، ويعتبرها تاجا فوق رؤوس الجميع. ولم تكن يوما ما إلا عنوان تصحيح المسار المهني والحضاري والوجودي للمغاربة بجانب مؤسسات أخرى ساهمت بشكل كبير في إجلاء معالم الحداثة ودولة الحق والقانون والدولة المواطنة، وغير هذه المفاهيم التي يتطلبها ترسيخ وتوطين دولة الحداثة في المغرب. كما يسجل دخول الجهات الرسمية المغربية في التعاطي مع هذه المطالب التأصيلية، التي قادت المغرب إلى الانفتاح على ذاته أولا وعلى الآخر ثانيا، وإيقاع تغيرات جوهرية لا ينكرها إلا جاحد. وبعيدا عن مجموع الانتقادات التي يمكن توجيهها لهذه الحركة في مسارها التاريخي الذي يتضمن انعطافات كبرى وحادة وخطيرة في بعض الأحيان ، نوطن القول بأن ذلك التأصيل ومهما كان نوعه أو كمه؛ هو ما سيساعد المغرب على التطور السياسي والنقابي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي. وما سيفتح أمامه آفاق المستقبل إن أدام التقويم في فعله الوجودي وحرك الأسئلة تجاه ذاته في إطار النقد الذاتي البناء والهادف. لكن في المقابل ألم ترتكب الحركة النقابية المغربية بعض الأخطاء القاتلة في تفكيرها وأدائها التي قادت إلى خلخلة وجودها في المجتمع عامة ومجتمع الشغيلة خاصة منذ ولادتها عن النقابة الفرنسية؟ للجواب عن هذا السؤال ودون الدخول في تاريخ الحركة النقابية المغربية، أوردت نقابة مفتشي التعليم في سياقه لاعتبارات منها:
ـ كونها جاءت في إطار انحصار الفكر السياسي الشمولي الذي استدعى في حقبة تاريخية معينة وجود النقابات الشمولية لسنده في المواجهات التي خاضها ضد الرأسمالية، مما خلق بجانب هذه الكيانات النقابية أحزابا شمولية وحكما شموليا يقصي أي تعدد في الوجود ومن الوجود، ويخندق الوجود في الواحد الأحد سواء أكان قائدا أو حزبا أو ثقافة أو ... وانفتاح الفكر السياسي على التعدد وعلى الحوار والتنوع، واعتبار هذا التنوع قيمة مضافة في المجتمعات تساهم في بنائها وصون وحدتها وتقدمها. أصبح اليوم في الدولة الديمقراطية والحداثية بل وما بعد الحداثة ترتكز في اشتغالها على تنوعها. وما نظرة موجزة إلى اشتغال الدول بمنظمات المجتمع المدني على اختلاف تنوعها العقائدي والإيديولوجي والسياسي والاجتماعي والثقافي ... إلا دليلا قاطعا على وجوب تجاوز الفكر الشمولي سياسيا ونقابيا، لأنه يحمل في ذاته منطق الإلغاء وفنائه عبر التاريخ. وأحداث العالم تعرب عن هذا وتؤكد. ولست في وارد توضيح مدى القوة والقوى الممانعة لمشروع قانون النقابات الذي طرح مؤخرا للنقاش والتداول، والذي احتضن البعد الفئوي في العمل النقابي وشرعنه تماشيا مع متغيرات ألفية المعرفة، الأمر الذي يدل على أن لغة " الأكثر تمثيلية " وهي شمولية في منبعها الفكري والإيديولوجي والسياسي تستدعي التحليل والمراجعة في ظل دولة الحداثة المنفتحة على الكل والموظفة للكل في نمائها وتطورها وبناء حضارتها. ـ كونها جاءت تعبيرا صريحا عن تلك الأخطاء التي ارتكبتها الحركة النقابية المغربية. ولم تأت بديلا نقابيا بل تصحيحا لمسار تفكير نقابي معين. ـ كونها تعطينا مثالا لنقابة نوعية لا ترتكز على الكم كما ساد الاعتقاد في الحركة النقابية المغربية ومازال يسود مع الأسف مع بعض المؤسسات النقابية الشمولية بدعوة الوحدة! ـ كونها تشي بالتخصص الفئوي للعمل النقابي الذي يتحكم في معطيات ملفه المطلبي من منطلق الأنا لا الآخر الذي ينطبق عليه قول " ما حك جلدك مثل ظفرك "، وفي أطروحاته الفكرية وتصوراته المهنية بعيدا عن المزايدات في نفس الملف في معطى التعدد النقابي الشمولي، والذي تتشظى ذات الموضوع فيه ومعه. وهنا يمكن الحديث عن البيانات الأخيرة لهذا التعدد النقابي الشمولي، الذي ينتمي بعض المفتشين إليه وترشحوا بألوانه في الانتخابات الأخيرة للجن الثنائية متساوية الأعضاء، وقد فازوا في بعض الأكاديميات فوزا ضعيفا.
لم يقدم هذا التعدد النقابي الشمولي ملفا مطلبيا يخص هؤلاء المفتشين، بل ذهب إلى اختزال الملف المطلبي بهم ـ وعلى ضخامته عند نقابة مفتشي التعليم ـ في نقطتين فقط! ومن هنا نسائل موقع هيئة التفتيش أي نسائل وجودها في هذه الكيانات النقابية الشمولية؟ وهو ما يدعو حقيقة إلى مراجعة الأداء النقابي الشمولي تجاه مكوناته. بمعنى هل يوازن بين الملفات المطلبية لمكوناته أم يتخذ بعضها خدما لبعض تحت عنوان الوحدة النقابية ووحدة الشغيلة في مواجهة الرأسمالية والعولمة الشرسة إلى غير هذه المفردات التأثيثية للخطاب النقابي الشمولي؟ وهي مساءلة مشروعة وموضوعية، وتذهب إلى مأسسة الحركة النقابية وتطوير أدائها. ويجب أن لا تغيض أحدا، وتفهم في غايتها. ـ كونها تعبر بقوة عن التقويم وفكر التغيير والمراجعة للفعل النقابي الذي ساد لحقب من التاريخ تحت خط تفكير واحد ورؤية واحدة شمولية، والذي أفرز ما أفرزه من السلبيات، ومازال يسود في بعض ملامح الحركة النقابية المغربية مع الأسف. وكانت له رجات قوية وعنيفة في بعض الأحيان، تخرج عن إطار المأسسة لتدخل في إطار الكولسة والقولبة!؟ ـ كونها تعبر بصدق عن المؤسسة التي تلغي البعد الإيديولوجي لجميع مناضليها تحت سقف البعد النقابي. وهو البعد الإيديولوجي كان عاملا حاسما في اشتقاق وتوليد النقابة الإيديولوجية الصريحة في الحركة النقابية المغربية الذي خلط الأوراق عليها في التصورات والمفاهيم والتوجهات والقرارات، وأدخل إلى ساحتها قيما سلبية واجهت بها غير المناضل غير المنتمي لإيديولوجيتها أو تيارها الفكري. وهنا لابد من الإشارة أن التجمع في إطار إيديولوجي ليست النقابة بطبيعتها الأنطولوجية والوظيفية والنضالية هي المؤسسة المؤهلة لاحتضانه.
فهناك من المؤسسات المجتمعية ما يشكل بطبيعته الحاضن لهذا التجمع؛ ومن ثم نجد هذا الخلط وُجه انتقادا حادا للحركة النقابية المغربية من خارج إطارها. وهو ما عمل على إفراغها من محتواها الحقيقي المتضمن في البعد النقابي ورفعها إلى البعد الإيديولوجي الذي أسس لتلازم السياسي بالنقابي في الفكر النقابي المغربي بعد ولادة الأخير من الأول بحتمية مفرطة، وقد تكون في بعض المنعطفات التحولية راديكالية كقتل الديمقراطية من البداية ومن الولادة الأولى بالتصريح بأحقية الرئاسة تحت التهديد بالانشقاق!؟ فأصبح العمل النقابي يحمل وجهي السياسة والنقابة دون فاصل بينهما كوجهي العملة النقدية التي يستعصي الفصل الأنطولوجي بينهما. وكاد يتم بينهما الحلول على حد قول المتصوفة أو الذوبان والتحلل والتفسخ على حد قول البيولوجيين! لكن بدأنا نلمس عن قرب تحول بعض المؤسسات النقابية الشمولية في فكرها نحو الفصل بين السياسي والنقابي وإن كان تحت سقف الإيديولوجي، وهذا ما عبرت عنه بعض مؤتمرات المؤسسات النقابية الشمولية، الشيء الذي يدعو إلى التشجيع إن صدقه الواقع، وما يفتح نوافذ هذه المؤسسات على المؤسسات النقابية الفئوية في إطار التعاون والتكامل والتنسيق... ـ كونها المؤسسة النقابية التي يحتدم فيها النقاش والحوار حد الاختلاف المحتكم للتصويت، وتبقى سائدة في فكر وعقل ووجدان مناضليها يخافون عليها خوفهم على وجودهم، الأمر الذي انتفى في العديد من محطات الحركة النقابية الشمولية، والذي استجلب الاشتقاق والتوليد والانشقاق. بمعنى أن النقابة التخصصية والفئوية ضامن لوحدة الفئة أكثر من النقابة الشاملة. لأن في الأولى ينتفي فيها الصراع من أجل الموقع والثانية يحتدم فيها الصراع من أجل الموقع. وهنا لابد من التفريق بين الصراع من أجل القيادة والصراع من أجل الموقع. فالموقع مرتبط بالوجود داخل النقابة بينما القيادة إثبات للموقع ومرتبط بالتدبير. وهو الصراع من أجل الموقع الذي أدى بهيئة التفتيش إلى تأسيس نقابتها المستقلة. فحين؛ لم يعد لها موقع أي وجود داخل النقابة الشاملة، ولم تعد النقابة لها مطالب تخص هذا المكون، فمن الطبيعي سؤال الموقع أي سؤال الوجود سيطرح بحدة، وسيرتب تبعيات عن أسبابه؛ خاصة إذا لم يجد قيادة نقابية تجيب عنه بحكمة وصبر. وتجمع بدل أن تفتت، كالذي سجله التاريخ لبعض القيادات النقابية في إرادتها لإلغاء جهاز التفتيش من النظام التعليمي المغربي أو تشبيه نقابة الجهاز بأرانب السباق!؟ ـ كونها سؤال الفكر المؤسساتي المفتوح على الحركة النقابية المغربية. بمعنى هل تتغذى حركتنا النقابية المغربية من الفكر المؤسساتي تفكيرا وتنظيرا وتداولا وممارسة أم لا؟
من هذه الكينونة التي تحمل جملة أسئلة للحركة النقابية المغربية استدعيت نقابة مفتشي التعليم تقعيدا لهذه الورقة، وأرضية لمنطقي التصحيح والأكثر تمثيلية، من حيث إثبات صفة التصحيح للأولى وصفة الأكثر تمثيلية للتعدد النقابي الشمولي. وقبل ذلك نثبت للفكر النقابي بعض المبادئ التي تنطلق منها أساسيات وجوده ومنطلقات وظيفته. مبادئ الفكر النقابي: بما أن الفكر النقابي فكر إنساني ومجتمعي بطبيعته، فهو يؤمن بمبادئ إنسانية ومجتمعية أساس في بناء الفرد والمجتمع معا، ومنها مثالا لا حصرا: ـ يؤمن بالإنسان قيمة كونية مطلقة، لا يمكن المساس بحقوقه وواجباته الطبيعية والمجتمعية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين والدساتير والتشريعات البشرية سواء أكانت عالمية أو إقليمية أو محلية. والدفاع عنها وصونها من الانتهاك أو العبث بها. ـ يؤمن بمساواة البشر أمام هذه الحقوق والواجبات لا فرق بينهم في ذلك مهما كانت التمايزات الفردية أو المجتمعية. ويضمن حمايتهم من كل تمييز مبني على مؤثثات ما بعد الولادة تجاه هذه الحقوق والواجبات، التي تخرج عن طبيعته كإنسان مطلق. ـ يؤمن بنظام القيم الإنسانية المتفق عليها عالميا وإقليميا ومحليا، ويدافع عنها أمام كل خرق أو تجن أو تعد. ويختزنها في طبيعته لأنها تشكل مرجعية من مرجعيات ممارسته للنضال. ـ يؤمن بمبادئ وأسس دولة الحداثة وقيمها المتنوعة والمختلفة، ومنها:
الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والتوافق والحوار وقبول الرأي الآخر والأغلبية والأقلية والتعدد والمواطنة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والحكامة والوطن والثروات للجميع والتضامن والتكافل ... ويعمل على ترسيخها في الواقع المعيش للمجتمع على مستوى المؤسسات والأفراد والجماعات. ـ يؤمن بأحقية التواجد في المؤسسات وفق نتائج صناديق الاقتراع وأحقيتها، ويكفر بالإقصاء والإلغاء تحت أي مسمى كان أو أي كولسة أو قولبة أو تفسير يخالف صناديق الاقتراع. ويعمل بكل جهده على ترسيخ هذا المعطى والدفاع عنه. وهناك مبادئ أخرى لم ترد هنا، لاستهداف المعلنة منها لذاتها. ولتأصيل صلب الموضوع عليها. ذلك أن كل تنظيم نقابي شمولي أو فئوي لا يؤمن ولا يعمل بالمبادئ المذكورة، عليه أن يراجع نفسه في إطار الثقافة النقابية. وبناء عليه؛ أتساءل عن التصحيح والأكثر تمثيلية، وصدق طرحهما على الساحة النقابية للتداول. وبما أن التصحيح ينبني على فرضية وجود أخطاء أو حيد وعدل عن الطريق، كان من المنطقي الحديث أولا عن " الأكثر تمثيلية " ثم عن " التصحيح " ثم ترتيب مقتضيات السبب عن السبب، عندما ينجلي ويتضح ويرتفع عنه اللبس والضبابية. ولغة " الأكثر تمثيلية " تقتضي حضور جهتين أحدها تتسم بالكثرة التمثيلية والأخرى تتسم بالقلة التمثيلية، بمعنى أن " الأكثر تمثيلية " حكم يقع بين طرفيه أو نسبة تشكل إضافة بما هي مقولة ما، كما جاء عند الفيلسوف أبي نصر الفارابي في رسالة الحروف، وتتطلب قدرين من جنس واحد وليس مختلفين.
و" الأكثر تمثيلية " هنا يجب أن تكون في مجال المؤسسات النقابية الشمولية أو في مجال المؤسسات النقابية الفئوية، بحيث يجب أن تكون مكوناتها من نفس النوع لا مختلفة. ولا يمكن أن تكون بين مؤسسات نقابية شمولية وأخرى فئوية لأنها ليست من نفس الجنس لاختلاف المكونات. وهذه النسبة تقتضي توسط حرف النسبة " من " لتستقيم المقولة وفق منطق النسبة، فنقول: " المؤسسة النقابية الشمولية ذات الاسم كذا الأكثر تمثيلية من المؤسسة النقابية الشمولية ذات الاسم كذا ". وهو ما يزيد هذه اللغة تعقيدا عند تحليلها بمنظور المنطق اللغوي والرياضي والقيمي والقانوني ( ما يجب أن يكون عليه القانون، وليس ما هو كائن، لأن الكائن إفراز معطيات مستحضرة في الكائن القانوني الواقعي المعيش ). ولنقارب ذلك تحت سقف تحليل كل منطوق على حدة. الأكثر تمثيلية: لفظ " الأكثر تمثيلية " لفظ مركب من لفظين هما: " الأكثر " و " تمثيلية " حيث يتم البحث فيهما على مستوى منطق اللغة، وعلى مستوى منطق الرياضيات، وعلى مستوى منطق القيم، وعلى مستوى منطق القانون؛ لتبيان ما لهما وما عليها، وحتى تنجلي الرؤية المبنية عليهما.
1 ـ لفظ " الأكثر " على مستوى منطق اللغة: قبل التفصيل في هذا المبحث، أجد إيراد المؤسسة النقابية الشمولية كما هو في واقع الفعل النقابي المغربي معنية بلغة " الأكثر تمثيلية " من غيرها، لأن أي ورود للنقابة الفئوية في هذه اللغة يوجب التخصيص وهو ما يخالف منطق " الأكثر تمثيلية " كما هو وارد في القانون المغربي. وهو ما كان سببا رئيسا في إنشاء هذه الورقة لمقاربة مدى صحة هذه اللغة، وإلى أي حد هي لغة أصيلة معيارية أو قياسية أو هجينة؟ حيث يندرج لفظ " الأكثر " في المدخل المعجمي ( ك ث ر )، ويعني الغلبة في الكثرة، وخلاف القلة، ووجود الكثرة، واعتداد الكثرة. و لفظ " الأكثر " لفظ يتميز بإضافة " ال " و " أ "، وهو ما يفيد: أ ـ " ال " وهي لـ: ـ للتعريف، والتعريف هنا لاستغراق خصائص الأفراد على حد قول النحويين وهو هنا استغراق خصائص المؤسسة النقابية بتعريفها بأنها الأكثر ؛ بمعنى الكاملة في صفة الكثرة! والكمال هو أحد معاني " ال "، ولكي ينطبق المقال على المقام لابد أن يجد الباحث في إدعاء الكثرة ما يبرره موضوعيا وفق منطوق " ال ". الشيء الذي تناقضه موضوعية الحال بالنسبة للمؤسسات النقابية التي تدعي " الأكثر " بالنسبة لهيئة التفتيش!
ولا يمكن مطابقة معنى التعريف ولا معنى الكمال على " ال " الداخلة على أكثر. ـ للزيادة، وهي " ال " التي لا تفيد الجنس ولا التعريف، وأعتقد في ظل المعطى الموضوعي الواقعي الذي يناقض المبدأ الرياضي في الأكثر والموافق لفكرة التجميع أو التركيم، يمكن أن تكون " ال " الداخلة على " أكثر " زائدة. ـ للموصولية بمعنى " ال " التي تفيد معنى اسم الموصول، وهو الرابط الذي يربط بين كلمتين بموجب منطوقهما يفترض أن يكون التعبير صادقا في الواقع وصحيحا لغويا. ولن يصدق التعبير التالي: " المؤسسة النقابية التي أكثر تمثيلية " حتى يكون الواقع وفق مدلولها. وهو ما يختلف في الواقع بناء على نتائج الانتخابات الأخيرة الخاصة باللجن الثنائية متساوية الأعضاء! إذ نجد أكثر من مؤسسة نقابية شمولية تدعي " الأكثر تمثيلية " من غيرها في حين اسم الموصول بين دفتي المؤسسة النقابية والأكثر تمثيلية لا يفيد الدلالة القطعية حتما بذلك، بقدر ما يفيد الدلالة الظنية حتما. وعليه فـ " ال " هنا؛ لا ينطبق عليها ضمن المعطى الواقعي المفيد للترقيع بين نسب الفئات وتجميع ما لا يجمع بحكم طبيعته البيولوجية والوظيفية تلك الدلالات غير دلالة الزيادة التي تزايد على منطق اللغة ومنطق الرياضيات ومنطق القانون.
ب ـ " أ " وهو حرف زيادة؛ زيد في المدخل المعجمي الثلاثي لإفادة: ـ الدلالة على وجود الشيء على صفة معينة، بمعنى أننا نجد المؤسسة النقابية الشمولية في حد ذاتها تتسم بالكثرة. والكثرة هنا لا تعني فقط الكم المنخرط فيها، وإنما كذلك تعني كثرة الأصوات المحصل عليها في صناديق الاقتراع، وبالنسبة لجميع مكوناتها. فإذا كانت المؤسسة النقابية الشمولية تشمل مثلا أربع قطاعات وضمن كل قطاع يوجد خمس فئات.
فدلالة وجود هذه المؤسسة ـ بصيغة " الأكثر " ـ على صفة الأكثر يعني أن تكون الأكثر كما بالنسبة للقطاعات الأربع وكذلك الأكثر كما بالنسبة للخمس فئات سواء على مستوى الانخراط أو على مستوى صناديق الاقتراع. ولا يمكن وجود شيء على صفة معينة دون أن تكون حاصلة فيه بشكل غالب. هكذا يفيد منطق اللغة الصريح دون إدخال علوم اللغة التي قد تقضي غرضا في نفس يعقوب بتفسيرها لمنطق لغوي صارم بأطروحات تقلب الحقائق في الدلالة، كأن نصف الشيء بصفة نادرة فيه أو ضئيلة ونغلبها على الصفات الكثيرة ونلبس على مستعمل اللغة الحقائق، ونوهمه ما ليس قائما بكثرة. وهــــنا لابد أن ننظر إلى هذه الدلالة بارتباطها مع منطق الرياضيات ومنطق القيم الذي يربط بدوره بمنطق القانون كما سيأتي، أي يجب أن ننظر إلى منطق اللغة في نسقية هذه الورقة.
ـ الدلالة على استحقاق صفة معينة، وهذا يعني أن تستحق فعلا المؤسسة النقابية الشمولية الكثرة ـ وهي إحدى دلالات زيادة الهمزة ـ من حيث الانخراط والاستحقاق الانتخابي. فإذا ما وجد قطاع منها أو فئة في قطاع ليس له الكثرة العددية أو الكثرة الانتخابية ( الأصوات المحصل عليها في القطاع أو الفئة تؤهله لتمثيل ذلك القطاع أو تلك الفئة ) لا يمكن إدراج دلالة استحقاقه على صفة الكثرة بمنطق زيادة الهمزة. ويكون أي إطلاق بالكثرة مشوبا بالعيب اللغوي. ويمكن الإدعاء عليه لدى اللغويين المحققين لنقضه. ـ الدلالة على أن الفاعل قد صار صاحب شيء مشتق من الفعل، بمعنى أن المؤسسة النقابية الشمولية وهي الفاعل في الساحة النقابية المغربية أصبحت صاحبة كثرة المشتقة من الفعل كثر. وبذلك تكون كثرتها آتية من الفعل النقابي الشمولي الذي يشهد له الانخراط وصناديق الاقتراع بصدق اشتقاق كثرته. وحين يوجد فصل من هذه الكثرة هش لا ينطبق عليه الاشتقاق، فإن الدلالة هذه لا تتحقق إلا جزئيا وفق الكثرة المحصل عليها في قطاع أو فئة أو تسقط بالمرة. فحين نقول أكثرت النقابة الشمولية نقصد وفق الاشتقاق المذكور أنها أصبحت ذات كثرة.
والكثرة هنا تفيد الغلبة فيها تجاه خصوم تقهر بهذه الغلبة، وهو ما لا يوجد فعليا وعمليا إذا ذهبنا إلى منطق اللغة. من هذه الحيثيات يمكن الخلوص إلا أن لفظ " الأكثر " يحمل دلالات متنوعة انطلاقا من المعنى النووي للفظ وهو الكثرة التي ضد القلة ومرورا من كل معاني " ال " وزيادة الهمزة " أ "، التي تؤكد ذلك المعنى النووي. حيث منطق اللغة في هذا اللفظ لا يقبل ما يشين دلالاته، ولا يناقض منطوقه اللغوي. ولا يمكن في ظله القبول بنسبة ضئيلة أو قليلة لا تعبر عن الكثرة، ويجب مراعاة طرفي النسبة أن يكونا من نفس الجنس. وبما أن هذه اللغة ترفع في وجه الجميع مؤسسات نقابية شمولية وفئوية لا يصح القبول بها إلا مع التوضيح البائن الرافع لكل لبس وغموض. ومنه لا يمكن القبول بهذه اللغة في وجه نقابة مفتشي التعليم من منطلقين: الأول: أنها مؤسسة نقابية فئوية لا تبلغ حد المؤسسة النقابية الشمولية لاختلاف المكونات والمضمون والشكل، ولا تدعي الشمولية.
الثاني: أنها إذا ما قيست بالنسبة لفئة المفتشين الموسومين بالابتدائي والإعدادي والثانوي والتوجيه والتخطيط، هي الأكثر تمثيلية لهم بحكم صناديق الاقتراع. وإذا ما أدخلنا تفتيش المصالح المادية والمالية فليس لها تمثيلية تذكر. ولهذا؛ يجب عند النطق بهذه اللغة الاحتراز والحيطة أن يصدر القائل حكما أو يدعي الكثرة دون أن يفصل بتدقيق فيها حتى يكون عند منطق اللغة المعيارية. وإلا فقوله هش وضعيف يؤخذ ويرد منه حسب قول الفقهاء! وهنا دعوة إلى تصحيح هذه اللغة بمنطق اللغة. الوجه الذي يظهر مع إيراد نقابة مفتشي التعليم في سياقه.
2 ـ لفظ " تمثيلية " على مستوى منطق اللغة: لفظ من المدخل المعجمي ( م ث ل ) ويعني من بين المعاني النظير والمثيل والشبيه والمنتدب، كما يعني التنكيل والفضل والتصوير والتبيين والإفادة والعرض والقتل القصاص والغياب وغيرها من المعاني. وما يهمنا هنا الانتداب لما يحمل من معنى نووي يتساوق معه الفعل النقابي. ذلك أن المنخرطين ينتدبون من يكون لهم نظيرا ومن يمثلهم لدى الإدارة ويدافع عنهم ويبين ويوضح مرادهم ومطالبهم، ويقوم مقامهم في استيفاء حقوقهم على أساس أدائهم لواجبهم على أكمل وجه. بمعنى أن مبدأ الحق مقابله الواجب مبدأ أصيل في الفكر النقابي، وما يقوم خلافه فهو باطل. وسنتطرق إلى لفظ تمثيلية على مستوى المدخل المعجمي والتغيرات الصرفية التي وقعت عليه، وعلى مستوى الصيغة الصرفية التي استقر عليها ودلالتها، ومدى تساوقها وانسجامها مع الوقائع المعيشة، ومدى ترجمة تلك الدلالات في ذاتها، ونخلص إلى التركيبة الثنائية " الأكثر تمثيلية " وفعلها في القواعد وفي مجتمع الشغيلة.
أ ـ المدخل المعجمي ( م ث ل )، وهو المنطلق الأصلي للصيغ المنبثقة عنه بالزيادة ، يشي أن الزيادة فيه بالتاء وتضعيف العين ( تَفَعَّلَ ) تفيد معان منها: ـ الدلالة على المطاوعة، بما يفيد أن الشغيلة تطلب من النقابة تمثيلها، فتمتثل ذلك بين يدي الشغيلة وتطاوع طلبها. فتتقدم في إطار الانتخابات بهذا الطلب، وتنافس عليه مما يكسبها المطاوعة. وهي سمة تسجل للنقابات على حد سواء في التقدم بطلب التمثيل بناء على رغبة منخرطيها ومناضليها. وهذه المطاوعة لا يصدقها إلا الواقع من حيث نوعية تمثيلها ومجاله وكمه. والواقع يفيد أن بعض النقابات لا تطاوع إلا نفسها بعيدا عن قواعدها! ـ الدلالة على التكلف، ويفيد التكلف رغبة النقابة في حصول فعل التمثيل لها واجتهادها للحصول على هذا الفعل بكل جهد، وهو تكلف في صفة محمودة وحميدة وقيمة اجتماعية راقية. لكن يسقط هذا التكلف عندما نجد النقابة " الأكثر تمثيلية " لا يحصل لها فعل تمثيل فئة معينة البتة أو تمثيلها بنسبة جد ضعيفة. فتكلفها يخالف وقتئذ الواقع ويبعد عنها هذه الدلالة أو هذا المعنى من معاني زيادة التاء وتضعيف العين.
ويحضرني هنا مثال حي، جرت به وزارة التربية الوطنية مجرى مفارقة قولها وإجرائها لواقع صناديق الاقتراع. فذهبت إلى عدم حضور إحدى النقابات المستقلة التي صوتت شغيلة التعليم الابتدائي لمرشحها إلى المجلس الإداري للأكاديمية في أشغال اللجنة النيابية الموسعة، بدليل عدم اعتبارها من النقابات " الأكثر تمثيلية " رغم أن هذه النقابة هي الممثل الوحيد للسلك الابتدائي في المجلس الإداري للأكاديمية!؟ فكيف ستصرف الوزارة قرارات اللجنة الموسعة في الميدان المحلي الذي تسود فيه تلك النقابة؟ وكيف ستتحاور مع قواعدها في تغييبها عن اللجنة؟ إذن هناك خلل في أصل هذه اللغة، يترتب عليه اختلال قانوني واجتماعي ونقابي ... بل وخلل لغوي. في حمل صفات وسمات وهما لمن أو لما لا يتصف بها!؟ ـ الدلالة على الاتخاذ، وهنا يمكن أن نقول: تمثلت النقابة قواعدها ـ دون أن ندخل في متاهة مثَّلت قواعدها معجميا، لكي لا نسقط في معان لا نريدها في هذه الحيثية ـ أي اتخذتها تمثيلا.
والتمثيل له معان عدة. نقتصر على تصوير النقابة لقواعدها بصناديق الاقتراع كأنهم شهود لدى الإدارة بعددهم ونوعهم. حاضرين لدينا وكأنها تنظر إليهم جميعا. يقول لها بأحقية نقابتهم في تمثيلهم لديها. لكن واقع الحال في بعض الحالات يتناقض مع هذا التمثيل. فيصير بصناديق الاقتراع " الأكثر تمثيلية " أقل تمثيلية. وبالتالي يسقط الاتخاذ من معان الزيادة عن لغة " الأكثر تمثيلية". لتفصح المجال إلى لغة أخرى حقوقية واجتماعية وقانونية تؤسس للحقوق على مبدأ تكافؤ الفرص والديمقراطية واحترام صناديق الاقتراع ... ـ الدلالة على التجنب، وهو ما يفيد ترك معنى الفعل تمثلت النقابة أي تركت التمثيل، الذي يحيلنا على تشخيص مسرحيات أو ترك تمثيل القواعد لدى الإدارة، وهو ما ينطبق على لغة " الأكثر تمثيلية " حين لا تمثل فئة ما بالمطلق أو تزيد عنها نقابة أخرى تمثيلا! وبالتالي توسم هذه اللغة بهذه الدلالة التي تقتضيها الزيادة بالتاء وتضعيف العين. وبذلك لا يمكن القبول بلغة " الأكثر تمثيلية " تمثّلا ولا تمثيلا لحملها مغالطات لغوية تخالف دلالة الزيادة في أغلبها.
ب ـ الصيغة الصرفية لـ " تمثيلية " تفيد اشتقاقها من الاسم " تمثيل " المنقول عن المصدر، اشتقاق فيه زيادة ياء مشددة بعدها تاء. فذلك صيغة المصدر الصناعي، ونأتي به للدلالة على اتصاف النقابة بالخصائص الموجودة في لفظ " تمثيلية ". وهنا مربط الفرس الذي يطرح علينا مجموعة من علامات الاستفهام حول مدى اتصاف النقابة التي تدعي " الأكثر تمثيلية " بعد " التمثيلية " بخصائص التمثيلية، سواء منها تلك الخصائص اللغوية في اللفظ أو تلك الخصائص التي تبنى عليها في الواقع المعيش. ولكي لا يتشعب البحث في ذلك، سنطرح على القارئ والباحث بعض علامات الاستفهام: ـ أليس لغة " الأكثر تمثيلية" تمثيلية حين تسقط صناديق الاقتراع من حسابها وتدعي التمثيل لمن لا تمثله؟ ولنا في نقابة مفتشي التعليم مثالا حيا، الملغي كرسيها في المجلس الأعلى للتعليم بهذه اللغة! ولنا في بعض الحالات التي جرت مع نقابات مستقلة أخرى شقيق المثال السابق! ـ متى تكون لغة " الأكثر تمثيلية " تمثيلية لا يناقضها الواقع ولا العقل لا بمثال ولا بغيره؟ ـ متى تتسم لغة " الأكثر تمثيلية " بخصائص التمثيلية وبدرجة المبالغة فيها؟ ـ متى يكون القول بلغة " الأكثر تمثيلية " تمثيلا يفصح ويبين عن الواقع، ويجلي الحقائق كما وردت من الصناديق بتدقيق تام في التمفصل والفصل بين المكونات، ويحفظ حقوق الأقلية؟ ـ ألا يوجد في لغة " الأكثر تمثيلية" التباس التمثيلية؟ ـ ألا يمكن أن نسائل لغويا لغة " الأكثر تمثيلية " وما جنته على اللغة ذاتها؟ وبناء عليه؛ نجد مغالطات في هذه اللغة، أقلها أنها ـ وفق المصادر الصرفية الموجودة لدينا ـ لا تنضبط إلى قوانين التفضيل، التي نقول بمنطقها الصرفي: " الأكثر تمثيلا " وقد مر، ولا تنضبط إلى الاستغراق في التمثيل المستوجب بحكم الدلالة اللغوية، ولا تنضبط إلى أصول اللعبة الديمقراطية التي تحتكم إلى صناديق الاقتراع، فتدعي تمثيلية من لا تمثله بحكم نتائج الاقتراع! ... إلى غير ذلك مما وضحناه سابقا بإيجاز.
والتمثيل يتطلب وجود ثلاثة أطراف هي ممثل وممثل له وممثل لديه أو عنده فضلا عن فعل التمثيل وهو العلاقة التي تجمع الأطراف الثلاثة، وتدخلهم في نسق تحكمه قواعد العمل النقابي بما فيه قواعد الحوار النقابي والتفاوض واستراتيجيات التعاطي مع الملفات ومقاربتها فضلا عن العلاقات المهنية والاجتماعية التي تجدها على أرض الواقع في مجتمع الشغيلة وفي قواعد النقابات. فالنقابة التي تمثل فئة معينة أو إطار معينا لدى الإدارة بحكم لغة " الأكثر تمثيلية " وهي تفتقد للقواعد في هذه الفئة أو الإطار. لا تجسد الحقيقة بل تلغي الحقيقة لصالح هذه اللغة، مقابل الحصول على كرسي التفاوض، الذي لا يجد أذنا صاغية في تلك الفئة أو الإطار، ولا يجد امتدادا عمليا وإجرائيا للمتفق عليه. مما يحيله حبرا على ورق أو يدخله في سريان العموم على العموم. بمعنى تصريفه بصيغة العموم، فالزيادة مثلا في الأجور تصرف للجميع دون اعتبار للجميع بل إلغاء البعض من الجميع. لأن الزيادة التي تفاوضت في شأنها " النقابة الأكثر تمثيلية " قد ترضيني ولا ترضي الآخر. ومن ثمة تكون النقابة المفاوضة لا تمثلني حين طلب الزيادة، ولا تعبر عن إرادتي ومطلبي. وبالتالي ما أتى به تفاوضها يتسم بالعموم لا بالخصوص. وهو ما نتج عن لغة " الأكثر تمثيلية ". في حين لو صنفت هذه اللغة داخل أطر التمثيلية الحقيقية للفئات والأطر دون تجميع وترقيع النسب والفئات والأطر لما نتج عنها القرارات المتسمة بالعمومية، التي فيها ما فيها من القول. ولغة " الأكثر تمثيلية " تؤسس لمنطق التفاوت غير المستحق لبعض النقابات، وتمركز سلطة التفاوض والمشاركة في إنتاج قرارات جماعية غير متساوقة مع مطالب الفئات والطبقات الاجتماعية والثقافية. والاستيلاء غير المستحق بهذه اللغة على بعض المواقع كموقع نقابة مفتشي التعليم في المجلس الأعلى للتعليم. وتكرس الوجود الأبدي للطبقات النقابية المتحكمة في المشهد النقابي، والتي لا تسقط في أغلبها إلا بالانقلاب النقابي. كما تكرس الطبقية الاجتماعية في المجتمع من حيث سكونية المشهد النقابي في نوعية معينة من المطالب دون إحداث التغيير الاجتماعي في زمن الاقتصاد المعرفي والرأسمال البشري ( الفكري ). ما يعطل آليات التغيير في الفعل النقابي. وما تشهده بعض القطاعات من تراجع في أدائها الداخلي إلا نتيجة انحسار القوة المفكرة في العمل النقابي، وانشغالها بحرب المواقع والمناصب! ورحم الله زمنا أنتجت فيه النقابات تغييرا وتطورا فكريا قعد لتغيرات في المجتمع لا ينكرها إلا جاحد.
فبات اليوم الفعل النقابي بدل ذلك تنعت كل ... وعلى العموم؛ فإن لغة " الأكثر تمثيلية " وهي تركيب لفظتين، واحدة للتفضيل والاستغراق، والثانية للاتصاف بخصائص اسم التمثيل، لن تفيد مدلولها اللغوي أولا ومدلولها الوظيفي ثانيا ومدلولها الحقوقي ثالثا إلا إذا صدق على منطوقها الواقع المعيش من خلال نتائج صناديق الاقتراع. وماعدا ذلك فهي لغة وهم تعشش في عقولنا وإن وجدنا لها تصريفا في حياتنا المهنية والاجتماعية بطرق ترتفع عن الواقع. ولابد من مراجعتها أبينا أو شئنا لأن الزحف العولمي قادم إلينا عبر وسائط العلم والمعرفة والتدافع الحضاري والانفتاح المعلوماتي والتكنولوجي وانحصار الفكر الشمولي. وأعتقد أن ما سيثيره قولي هذا سيجلب الكثير من التفكير فيه مقابل جلبه الكثير من الانتقادات، التي ستساهم في بلورة رؤى مخالفة لرؤيتي، لعلي أجد فيها ما يصحح مقولتي ويطورها. وأما عن كيفية بناء هذه اللغة منظومة من المكتسبات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ... وكيفية تشكيلها للأحداث الاجتماعية وتوطينها للامتيازات داخل المجتمع النقابي وتشكيل النخبة النقابية والحرس النقابي وغير ذلك، فسيكون محط ورقة مقبلة ـ إن شاء الله تعالى ـ بجانب تحليل هذه اللغة من ناحية الرياضيات ومن ناحية منظومة قيم دولة الحداثة ومن ناحية القانون حتى نأخذ بمبدأ التصحيح مقابل لغة " الأكثر تمثيلية ". وأتمنى أن يدخل المجتمع النقابي وخاصة نخبته المثقفة ـ التي نستفيد منها دائما ـ في حوار مع ورقتي لعلنا نجد المشترك الذي ننطلق منه لترسيخ قيم العمل النقابي وإحقاق حقوق النقابات الفئوية، وتوطينها في المشهد النقابي المغربي قيمة مضافة تساؤل إنجازات العمل النقابي للتطوير والتصحيح والتجديد. والله المعين. عبد العزيز قريش - وجدة سيتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق