نهار حسب الله
ابتلاء.. دفع البلاء
يجد قمة السعادة كلما تمكن من مساعدة أي انسان.
يساعد المحتاج ويدفع أكثر من نصف راتبه الشهري للصدقات والمُحتاجين..
وقد اعتاد شحاذو الحي على كرمه، حتى أصبح صديق الجميع.. بوصفه انساناً لا يرد سائلاً ولا محروماً.كان الصيد السهل لؤلئك الشحاذين المستغلين أشباه اللصوص.. الذين يعتمدون الاستجداء وسيلة لإقناع أي مخلوق.
كانت تصرفاته قد جعلته مداناً بالضعف واللامبالاة أمام رفاقه وأصدقائه.. وكان يكتفي بجواب واحد يصد به كل من حوله وهو (دفعة بلاء).
وذات مساء ممطر بارد.. كان يسير بسيارته متوجهاً الى بيته..
كانت شوارع المدينة مزدحمة.. شبه فارغة بسبب هطول الأمطار الغزيرة التي غطت الشوارع.وفجأة تنبه لشيخ طاعن في السن كان مستلقياً على جانب الطريق والمطر والبرد قد أثقلا عليه ونالا منه من دون مقاومة..
أوقف سيارته بلا تفكير وحمل الرجل الى داخل السيارة وانطلق بأقصى سرعة لأقرب مستشفى.. ولكنه لم يفلح في ذلك لأن المدينة كانت قد أغلقت تماماً بسبب الأمطار.. فانطلق به الى بيته.وعند وصوله الى البيت.. فتح باب السيارة الخلفي حيث كان الرجل مستلقياً مثلما وضعه ولم يكن قد تحرك إطلاقاً، اعتقد ان الشيخ يعاني من حالة إغماء بسبب البرد القارص الذي تعرض له.حمله راكضاً به الى الداخل ووضعه قرب مدفأته جاء بمنشفة طويلة بيضاء ليمسح مياه الأمطار التي أغرقته.. بدأ يمسح وجهه وصدره.. حتى تنبه بان المنشفة البيضاء أصبحت حمراء اللون وفوجئ بأن الشيخ مصاب بعيارات نارية في صدره وقلبه، ودمه قد اختلط مع قطرات المطر!فتش في جيوبه باحثاً عن هويته أو هاتفه الشخصي أو أي شيء يعرف به.. فلم يجد أي شيء يدل على اسمه أو عنوانه..
فكر ملياً في إيجاد حل للخلاص من هذه المحنة العصية، فكر بإبلاغ أقرب مركز شرطة.. لكنه سرعان ما تردد لأنه سيقدم لنفسه إعداماً مجانياً..
لم يكن يعتقد يوماً بان فعل الخير ومساعدة الآخرين ستؤدي به الى هذه الحال.. اتصل هاتفياً بأحد أصدقائه المقربين وقال له بصوت متقطع مرتعش:
-يا صديقي.. أرجوك ساعدني.. لقد أصبحت مجرما ولكني لم أقتل أحداً.. أنا محكوم بالإعدام من دون محاكمة.. أنا الآن ميت أتنفس..
الصديق:
-لا تكن سخيفاً إلى هذا الحد.. كف عن هذا المزاح البارد في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل.. على ما يبدو إنك ثمل هذه الليلة ولا تعرف ماذا تقول.. تصبح على خير..
ومع إغلاق سماعة الهاتف.. شعر بإغلاق باب الحقائق مع باب الرحمة.رائحة الجثة أجبرته على دفنها في حديقة البيت.. وبقي السر مكتوماً بين تراب الحديقة وأزهارها التي باتت تقطر دماً.. وتضخ رائحة الموت بدلاً من أريج العطر الخلاب...
الحوار المتمدن - العدد: 2975 - 14-4-2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق