المنتدى العالمي FET FORUM

2014-05-28

 ذ.مولاي نصر الله البوعيشي : في اعتقادي فإن أول سؤال يتعين أن تطرحه كل جهة تريد الاشتغال على " إصلاح المنظومة التربوية  " هو لماذا فشلت كل المحاولات الإصلاحية السالفة ؟  خلال تاريخ  المغرب الحديث والفترات المعاصرة،وتحديدا منذ استقلالنا الصوري  عن الحماية الفرنسية ،  أخذ إصلاح التعليم العديد من الأشكال والاتجاهات....
من خلال مخططات ما إن توشك على الانتهاء ، حتى يقرر فشلها،  ليتم  وضع خطط لإصلاحها ،  وهكذا دواليك من مخطط الى آخر،  ومن إصلاح إلى آخر ، حتى غذت المنظومة التربوية  بكثرة ما شابها من ترقيعات شبيهة ب" دربالة البوهالي " ، رقع من جميع الإشكال والألوان والإحجام ، بعضها من الشرق  و بعضها  الآخر من الغرب ، رقع تستوجب رصد اعتمادات خيالية ، تعتصر من عرق جبين الشعب،  ينهب جلها ،  فيما الفاضل منها ، يضيع بسبب سوء التسيير و التدبير . ونتيجة لهذه السياسات الترقيعية المتبعة حتى اليوم ، احتل  المغرب درجة متأخرة في الترتيب  العالمي  في جميع المجالات .       اليوم و من جديد، يؤكد الجميع على  ضرورة  إصلاح التعليم ، باعتباره حقا من حقوق الكبار والصغار،  في اكتساب المعرفة العلمية والثقافية التي تمكنهم من مواجهة متطلبات العصر وتحدياته، وباعتباره كذلك  أهم ما تحتاج اليه  بلادنا لترتقي سلم المجد ولتقارع الأمم المتقدمة.              السؤال  الجوهري الذي يفرض علينا نفسه بإلحاح هو : هل هناك ، اليوم،  فعلا  إرادة حقيقية لإصلاح التعليم ؟ أم أن الأمر لا يعدو ان يكون اجترار التجارب الفاشلة السابقة  لإلهاء الناس لعقود أخرى  من الزمن  ، هذا الزمن  الذي أصبح  لا يساوي شيئا في عمر هذا الشعب المسكين ؟  وهل المشاورات الحالية  "رقعة  إضافية جديدة  ستضاف إلى رقع " دربالة البوهالي " السابقة ؟ وهل بعد ذهاب الوزير الحالي سيخرج علينا  خلفه،  ليقول لنا  بان هذا المخطط فشل ويتعين  استبداله ؟          لا يختلف اثنان على أن إصلاح المنظومة التربوية  باعتبارها أساس بناء الإنسان  هي عملية شاقة  تتطلب الوقت  والإرادة الصلبة والمتابعة والمواكبة  الدقيقة والتوجيه والتصحيح والمراجعة المستمرة .و لا تتم بهذه " الزربة " التي نلاحظها اليوم .         وجوابا على السؤال الذي طرحته في مستهل هذه المقالة ، فانني اعتقد ان سبب فشل جميع تجارب الاصلاح السابقة مرده الى  تهميش وإقصاء دور نساء ورجال التعليم،  واعتبار دورهم ثانويا وكومبارسيا ،   والتعامل معهم ك " موظفين " يتعين عليهم  تنفيذ المخططات  التي تنزل عليهم  بالمظلات .               نساء ورجال التعليم هم  الركيزة الأساسية  التي تبنى عاى اكتافهم أسس  المنظومة ،  وهم الذين  تناط بهم مهمة تنفيذ السياسات التعليمية والبرامج الإصلاحية ، ويقع على عاتقهم  العمل والكد والبحث والتطوير لخدمة الأهداف المرسومة ، وهم  المحركون  الرئيسون لكل الأدوات والآلات والمعدات والموارد الأخرى التي تفضي في النهاية إلى  المنتوج الذي تقدمه المدرسة العمومية،   وإن من ضمن الأسباب الرئيسة لفشل المخططات ومشاريع الإصلاح السابقة  وعدم تجاوزها  عتبة أبواب المدارس وفي أحسن الحالات عتبة أبواب قاعات الدرس ، ضعف تجاوب  نساء و رجال التعليم مع مشاريع  الإصلاح  ليس تعنتا منهم  او رفضا  كما يظن البعض ،  بل  مرده الى  عدم الفهم الصحيح  لهذه المشاريع بسبب عدم تنزيلها التنزيل الصحيح  وعدم  اقحامهم   في وضع خطط  لإصلاح المنظومة التربوية ، إذ  لا يمكن أن نراهن على تنفيذ مشاريع الإصلاح على أشخاص لم يساهموا في وضعه أو على الأقل لم يفهموا محتواه فهما صحيحا .إذ غالبا ما تكون لقاءات وندوات شرح مضامين الإصلاح ،  مستعجلة،  و صورية تتوج بتقارير مفبركة   و معدة سلفا ، و لا تعكس حقيقة رأي نساء ورجال التعليم .     إن الإصلاح  الحقيقي للمدرسة المغربية لن يستقيم ولن  تقوم له قائمة إلا ب:  ·           محاسبة المفسدين الذين ساهموا في تدمير المدرسة المغربية  ، إذا لا يمكن المراهنة على إنجاح أي إصلاح على من  تبث تورطهم في فشل جميع المحاولات السابقة  اولائك الذين تولوا ويتولون الامور  فى بلادنا وتركوا  ثقافة الإلتزام و الجد وحلوا  محلها ثقافة الإستهتار و الفساد و الواسطة و المحسوبية و المجاملة حتى أضحى الغش والكذب والنهب والسلب  والكسل هو الثقافة السائدة . اين هي – على سبيل المثال - نتائج  لجن الافتحاص ؟؟؟ ·           وضع نساء ورجال التعليم في أسمى وأعلى مكانة في المجتمع. لان ما يقع في محيط  مؤسساتنا بل وفي داخل حرمها  من عنف وعنف مضاد ،وهدر،  ومخدرات ، وتحرش ، وما إلى ذلك  من الظواهر الدخيلة  ما هي إلا  رد فعل سلبي  تلقائي ومباشر عن  سياسة  إسقاط هيبة المدرسة العمومية المغربية وتحميل العاملين فيها  مسؤولية ما آل إليه  حال القطاع من تردي وتدهور،  وتحويلهم إلى مادة دسمة للتنكيت .هذا مع العلم أن هناك بعض نساء ورجال التعليم من لا يستحقون شرف حمل هذا الاسم ، وهم  حالات شاذة والشاذ لا يقاس عليه . ·           اعتبار نساء ورجال التعليم  طاقة ذهنية و قدرة فكرية و مصدر للمعلومات و الاقتراحات و الابتكارات ،و عنصرا فاعلا و قادرا على المشاركة الايجابية في رسم ملامح أي إصلاح ،   لذبك وجب البحث في كيفية استثمار القدرات المتوافرة لديهم  والنظر إليهم  باعتبارهم  شريكا استراتيجيا في العمل و في تحقيق الأهداف. وليسوا  مجرد  أجراء  تقتصر مهمتم على الأداء الآلي للمهام التي يكلفون  بها دون أن يكون لهم  دور في  التخطيط  و في اتخاذ القرارات. ·           الارتقاء بالمستوى العلمي لنساء ورجال التعليم  وإعدادهم وتأهيلهم للتعامل والتفاعل مع التطور المتسارع في ميدان  التقنيات التربوية الحديثة وفتح فرص التدريب و التكوين  الاساسي والمستمر  أمامهم  ( اعادة النظر في مراكز الكوكوت مينوت) التي تقلصت مدة التكوين فيها الى 6 أشهر ، فهل هذه المدة كافية لتأهيل المتدرب  للقيام بهذه المهنة ؟؟؟ هل 6 اشهر كافية ليتلقى المتدرب علوم التربية وعلم النفس والتربية التطبيقية( أي المنهجيات. )  والتشريع. إلى جانب لغة التدريس التي ستسند إليه ؟؟ هل هذه المدة كافية  ليكتسب المتدرب  تقنيات استعمال الإعلاميات و الوسائل التعليمية  الحديثة ؟؟؟؟ و..و..و ·             الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال التربية والتعليم،  بارسال بعثات   من  نساء ورجال التعليم من مختلف الأطر والتخصصات من حاملي الشواهد العليا وغيرهم ممن لهم دراية في مجال البحث العلمي ،  إلى دول مثل  فنلدة ،واليابان وكوريا الجنوبية ....لإعداد دراسات والاستفادة منها وصياغة منظومة بيداغوجية تتلاءم و الثقافة المغربية  الامازيغية ، العربية الإسلامية بدل الاقتصار على استنساخ النموذج الفرنسي الذي اقر الفرنسيون  أنفسهم بفشله الذريع . ·           وضع حد للظواهر السلبية الكثيرة المنتشرة  في المدارس العمومية وفي لمصالح المركزية والجهوية والإقليمية  ومنها  ظاهرة الترهل والتسيب الإداري على جميع المستويات والأصعدة ،  التي يرجع السبب في جلها  إلى عدم اختيار القياديين الأكفاء  بدءا من المديريات والأقسام والمصالح المركزية مرورا بالجهات والأقاليم وانتهاء بمديري  المؤسسات  فالقياديون لهم دور كبير في نجاح  او فشل الإدارة، لذا فانه يتعين  ان  يتم  اختيار  هؤلاء القياديين  استنادا على مبدأ الكفاءة والعطاء وليس المحسوبية والقرابة العائلية والحزبية والنقابية  ، هذا إذا كنا فعلا نهدف إلى تقدم وتطور المواطن والمجتمع المغربي. · إصلاح أحوال نساء ورجال التعليم وذلك بالالتفات إلى أوضاعهم   الإدارية والتربوية والمادية ووضع حد  لمعاناتهم  مع : أ‌-     الترقية  وذلك باقرار ترقية  منصفة  إذ أن كل مرسوم وكل نظام أساسي جديد ، بقدر ما ينصف فئة،  فانه يخلف ضحايا ومتضررين من فئات اخرى ، مما يدل على أن هذه المراسيم و الأنظمة تخضع إلى  مزاجية واضعيها ممن لا يمثلون إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم من   لوبيات الضغط من هذه النقابة او تلك ، أضف إلى ذلك التلاعب في  ملفات الترقية  من طرف بعض الفاسدين من المسؤولين الذين  بلغوا في مناصبهم  عتيا .  ( هناك دلائل دامغة على التلاعب في الترقية خارج جميع المساطر والمعايير المعمول بها ). ب‌-   تفادي هذه الأشكال والألوان من الاحتجاجات من إضرابات و اعتصامات  وغيرها ، ونزع فتيل التوترات   وذلك بإنصاف  المتضررين من نساء ورجال التعليم الذين يشدون  الرحال  في صيفا وشتاءا   إلى العاصمة الرباط  ليعودا  منها خاليي الوفاض ، إلا من بعض الوعود الكاذبة لسدنة الموارد البشرية ،  وذلك  بتوسيع دائرة النقاش والبحث في مختلف نصوص ومواد  النظام الأساسي المجحف ضمانا للاطمئنان والاستقرار النفسي لنساء ورجال التعليم . ج‌-    وضع معايير دقيقة تراعي الأقدمية العامة والخاصة والمردودية (بارجاع الاعتبار الى نقطة التفتيش)  والوضعية الاجتماعية  في الحركة الانتقالية التعليمية وحركة إسناد مناصب الإدارة التربوية  التي  تأتي في المرتبة الثانية بعد الترقية من حيث الأهمية ، و الاعلان عن المناصب الشاغرة  في الحركة التعليمية والقطع مع سياسة الريع التي تنهجها الوزارة  في تعاملها مع بعض النقابات التي لم تعد تمثل إلا نفسها ،  ولا تدافع الا على مصالح بعض ضعاف النفوس من متفرغيها     وأتباعها .           الملاحظ أن الوزارة أصبحت متخصصة في إصدار  " المذكرة الإطار" فكل سنة " تبيض"  مذكرة على مقاس خاص  ،  لا  تقر  بشكل واضح وشفاف  بضرورة  الإعلان عن المناصب الشاغرة حتى تكون المنافسة شريفة وواضحة وحتى يشارك الراغب في الانتقال ، بناء على معطيات واضحة وشفافة ، عكس ما هو حاصل الآن  حيث تعتبر كل المناصب شاغرة أو محتمل شغورها .المهم " على الله أو عليهم " ،ثم يأتي الدور على الحالات الاجتماعية والملفات الصحية. والله وحده يعلم هل كل المستفيدين  "حالات تنطبق عليها المعايير: الاجتماعية والصحية  ". سيقولون ان العملية تتم بمشاركة وتحت أعين النقابات وسنقول لهم ان:" بعض النقابات ". واحدة من معضلات هذا القطاع  . ·            وضع حد لخلود بعض المسؤولين والموظفين في مناصبهم  ، ذلك أن من  ضمن أسباب ضعف خدمات   إدارتنا المركزية والجهوية والإقليمية  خلود بعض  المسؤولين  صغارا وكبارا   في مناصبهم  وقد ترتب عن هذا " الخلود "  نشوء عادات تخل بحسن تسيير الإدارة، وقيام علاقات شخصية بين المسؤولين ومساعديهم ،  وبينهم وبين بعض المراجعين العاديين أو ممثلي النقابات ،  الشيء الذي يؤدي  الى سوء تسيير المصالح العامة،  وضياع الحقوق ، وخير دليل على ذلك هذا السيل الهائل من رسائل التظلم المرفوعة إلى ديوان الوسيط والدعاوى المرفوعة في المحاكم الإدارية . وتلافيا لكل هذا يتعين- في اعتقادي -  تفعيل قرار عدم بقاء  الموظف المسؤول في نفس المنصب ونفس المركز،  لأكثر من أربع سنوات. وقبل هذا وذلك محاسبة المتورطين في كل تلاعب  أو تحايل .( لا بد أن أشير هنا إلى ترقية بعض العاملين بمديرية الموارد البشرية وبعض المتفرغين النقابيين خارج جميع الضوابط ) .         إن من الأسباب الرئيسة  الكامنة وراء الإخفاقات التي عرفتها المنظومة التربوية  إغفال دور  العنصر البشري / المحرك الأساسي لكل تغيير، و لهذا فإن أي  إصلاح  لمنظومة  التربية والتكوين  لا  يرتكز على تأهيل نساء ورجال التعليم وعلى  الرفع من كفاءتهم  المهنية، وتكوينهم  على التقنيات الحديثة بالشكل الذي يخولهم   القيام  بمهامهم على أحسن وجه ،  و لا يضع حدا لمعاناتهم مع الترقية ومع الحركة الانتقالية و الاهتمام بشؤونهم الاجتماعية .هو إصلاح محكوم عليه بالفشل .            وما نراه  ونسمعه اليوم من مشاورات لا يعدو أن يكون استنساخا هجينا لتجارب فاشلة سابقة ،  أولا : لأنها غير مؤسسة على تحليلات موضوعية وتشخيصات دقيقة لكل الاختلالات و الإشكالات المطروحة التي عرفتها المنظومة التربوية، وثانيا  لأنها تقتصر  على استطلاع رأ ي  فئات دون اخرى ، وثالثا : مقاطعتها من طرف فاعل رئيس في المنظومة لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل دوره ومكانته ورأيه . رابعا : ما فسد منذ الاستقلال لايمكن اصلاحه بهذه العجالة وبهذه المنهجية وكما يقول المثل المغربي : " لا زربة على اصلاح "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق